أقلام حرة

هل هذه صحوة عراقية متاخرة؟

emad aliمن يتابع الحراك الشعبي وما يصدر من النخبة المتنوعة من العلماء والمثقفين في داخل وخارج العراق، وما تدعوه المرجعية وتتاكد عليه يوما بعد اخر على المضي قدما في الاصلاحات دون اي التفات الى ما يصدر ويمكن ان توضع من العراقيل اقليميا او داخليا امام الخطوات، نظرا لرفض العديد من الجهات الداخلية والخارجية لما يجري سرا وعدم تحركهم المباشر خوفا من انتحارهم السياسي عند تصادمهم مع الجماهير بشكل مباشر، انها الصحوة التي تمهدت لها الارضية خلال هذه السنين التي تجرع الشعب مرٌ الظروف التي لم يشهده بهذا الشكل والنسبة في حياته ان استثنينا عهد الحاكم الجائر الدكتاور خلال سنين حكمه .

التظاهرات الجماهيرية المليونية التي تنطلق دون اي تلكؤ من افراد الشعب تدل على مدى حماسة المواطن على تحقيق ما يريده الشعب من الاصلاحات والتغيير وتوفير الخدمات الاساسية الضرورية للشعب .

الخطوات الاصلاحية التي بداها العبادي كانت انطلاقة كبيرة وحاسمة وضربة قاضية من اول خطوة لنسبة كبيرة من المفسدين ومن استاثر بالسلطة، رغم ما نشهده من اعتراضات اقليمية لخسائر الموالين لهم في مواقعهم وسمعتهم ومكانتهم السياسية والاخلاقية . ازالة المناصب العليا وايقاع اللاعبين الكبار رغم المديح والعويل الذي ابداه المساندين لهم، قد ساهم في نجاح خطوات العبادي بنسبة كبيرة جدا وسهل في الانجفاع الى الخطوات الاخرى التي من المنتظر اتخاذها في هذا المضمار، وما نشهد منها يوميا والتي لم يكن بالامكان او من السهولة ان تُتخذ بمثل هذه الخطوات او الابسط منها ايضا من قبل .

ازيحت رؤوس كانت من المفروض ان تبقى بعيدا عن السلطة منذ الدورة الجديدة للبرلمان العراقي وانبثاق الحكومة ورغم اصرارهم على البقاء رغما عن الفساد والتخلف الذي تسببوا لها طوال سنوات حكمهم البائس . لقد فرغت الطريق من العراقيل الخشنة والاحجار التي عرقلت المسيرات الاصلاحية التي كانت على الطريق في مسيرها بهدوء من جوانب معينة دون اخرى من قبل، الا ان اليوم رغم نجاح الخطوات الكبرى هناك عراقيل بسيطة وربما بقايا ما تضعه الدول الاقليمية المستفيدة من الفساد وتعيش على حساب ومصلحة الشعب العراقي لازالت باقية وتحتاج لمن يزيحها .

من يتابع انطلاق التظاهرات المليونية الاسبوعية دون كلل اوملل من قبل الشعب المعاني من الفساد ويقرا جميع جوانبها، يتاكد من الحيوية التي يتمتع بها هذا الشعب وكيف يضحي بكل شيء من اجل تصحيح المسار، وهم يريدون الحفاظ على مصالح شعبهم بكل فئاته وضمان مستقبله وهم يتحركون في هذا الحر القارض ويسجله لهم التاريخ . انها عملية تغيير شاملة من النواحي السياسية الاجتماعية الثقافية وانطلاقة بدوافع سياسية اقتصادية اجتماعية على حد سواء، بدوافع لما كان يكنه الشعب من الاعتراض على الاخطاء التي ارتكبت باسماء وادعاءات مختلفة، والاعتباط الذي فعلته السلطات السابقة في حياة الناس والتخلف الذي سيطر على مسيرة العراق الذي قطع اشواط كبيرة في تقدمه الانساني، باستثناء عهد الدكتاتورية التي مهد للتغييرات السلبية في كيان واخلاقيات المواطن دون ارادته .

في الوقت الذي اتُهم المالكي بالفساد واعتُبر احد المسبيين بسقوط الموصل واحتلال ثلث مساحة العراق، اضافة الى اهدار مال الشعب بما يقدر بمئات المليارات، تصب السلطة الايرانية جام مديحه وثنائه عليه وعلى الضد من ارادة ونظرة الشعب على ما سببه له في سنوات حكمه العجاف . هل تستفيد ايران من الوقوف ضد ارادة الشعب لمصلحة ضيقة كانت هي المستفيدة الوحيدة من خطوات المالكي ومواقفه الاقليمة وا لداخلية، وما اتخذه من خطوات سياسية لمصلحة ايران دون اي اعتبار لمصلحة الشعب العراقي . ان ايران التي اعادت مكانة ولو بسيطة لها في نظر العراقيين من قبل، بخطوتها هذه ازاحت ما تغير من موقف الشعب العراقي نسبيا لها وسوف تظل العراقيين يعتببرون ان ما تقدم عليه ايران في الوقت اصبحت الصحوة قائمة خطوة استعدائية لهم . ان كانت المصلحة لا تعرف الاخلاق احيانا لدى اي حكم وسلطة كانت وحتى من قبل السلطات الدينية، ولكن ما نعرفه من السطلة الايرانية بانها براغماتية اكثر من العلمانيين، فان موقفها من المالكي بالامس يعبر على مدى تخبطه وتضررهم هم من الخطوات الاصلاحية وصحوة الشعب ومسيرته الاصلاحية المليونية ان نجحت وهذا المنتظر منها. ومن هنا يجب العمل واتخاذ الحيطة والحذر من قبل الشعب والمخلصين المصرين على تحقيق الاصلاح والتغيير من كافة الجوانب والدقة في المسيرات والخطوات عمليا وسياسيا .

المفرح في الامر ان التظاهرات على الرغم من ما تشوبها من الامور التي يمكن ان تُحسب على الافكار الضيقة والعرضية فقط، الا انها بمضمونها تظاهرات مدنية يُقدِم عليها الشعب بكل ما يحملون من خلفياتهم الدينية والمذهبية والايديولوجية، اي غير المستفيدين من الوضع مابعد السقوط وهم الاكثرية، وما نراه بروز القامات والاعلام والعلماء الذين يشاركون ويؤيدون ويدعمون ما سائر عليه العراق بكل انواعهم . الحراك الشعبي لم يعتبر لمصلحة هذا ولا ذاك، ولا لهذه الدولة واهدافها او تلك، ولا لهذا الحزب او ذاك، انه حراك الشعب بما يحوي ويحمل من مختلف التوجهات والخلفيات ، ولهذا يمكن ان نعتقد انه ناجح من بداياته ان لم تسيطر عليه قوى معينة دون اخرى، انها الاصلاحات والدعم الشعبي، والخطوات التي يتخذها العبادي خارجة من اجتهاداته الشخصية السياسية على اكثر احتمال دون اعتبار للحزب الذي ينتمي اليه لحد اليوم ان لم يمنعوه فيما بعد، ولكنه يمكن ان يتخطى العراقيل بما كسب من الدعم الشعبي وان يتخذ خطوة الاستبعاد عن الحزب الذي ينتمي اليه، وان يقف على بعد مسافة واحدة من الجميع كي يكون منفتح ومطلقة اليدين في خطواته، وهذا سيزيد من قوة شعبيته وامكانياته وسيدعمه الشعب شخصيا اكثر من اي حزب او قوة وشخص اخر . النيات الحسنة التي يمكن ان يحملها العبادي وخطواته الصحيحة التي يجب ان تكون بعيدة عن امور سياسية ايديولوجية بحتة ونابعة من اهتمامه الحصري بما يخدم الشعب ويقدم له الخدمات الاساسية الاولوية الاولى لطلباته ومن خلاله يمكن تغيير المسار السياسي وو تحاشي المعرقلات، ولا يمكن ان يصح الا الصحيح في النهاية وهو يكسب من القوة والجماهيرية اكثر القوى السياسية، وبعد النقلة المنتظرة عمليا يمكن اعادة الغربلة للقوى والاحزاب من قبل الشعب وبخطوات سلمية عملية وبسهولة تامة، وصناديق الاقتراع ستكون الحاكم العادل والحاسم لتصفية وفرز المناسب والاصيل المعتمد على فئات الشعب والدخيل المعتمد على امكانيات الاخرين من خارج الحدود والبعيد عن مصالح الشعب . انه نزول الشعب الى الشارع لامر مطلبي ويمكن ان يؤثر على الامور السياسية جراء النتائج المحتملة من نجاحهم في تحقيق اهدافهم وما نزلوا من اجله . ان كان الطلب الاول توفير الخدمات او الكهرباء كشرارة، فانها بذاتها غيرت امور سياسية وحققت اهداف عامة , وهنا المطلوب لابعاد اية قوة من محاولة الصعود على موجة التغيير لاهداف حزبية ضيقةلاء جماهيريا، ومن خلا التعاون وتحكم العقل بالامور العملية للتظاهرات والسياسية التي تنبع منها، فالشعب لم يعتبر لقوة واحدة بعين المنتقد ولم ينظر الى الاخرى بعين المديح، وهو ينظر الى القوى جميعا وينتقدهم بلا استثناء من باب ما قدموه واثروا سلبا على الشعب من خلال اعتمادهم على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة معتمدين على الدين والمذهب والعرق، وهذا هو عامل النجاح وبروز اهمية الصحوة الشعبية من خلال التظاهرات المدنية . المطلب الاول توفير الكهرباء ونقصها جاءت باسباب، ومن ثم طلب ازالة الاسباب وفي مقدمتها الفساد ، اي سحب المطلب الخدمي المطلب الاصلاحي تدريجيا بعفوية، ومن ثم وجود رؤوس كبيرة في سلسلة الفاسدين، الذي تطلب هذا البدء بمحاسبة تلك الرؤوس، ومن ثم اصبح المطلب الخدمي السياسي امرا سياسيا ووصل الى الحل الجذري للنقص المطلبي والخدمات العامة للشعب الى الاصلاح الشامل، ومن هنا تبدا الخطوة الاولى للاصلاحات التي تفرض نفسها وهي بداية التغيير المنشود .

كان النقص البارز في طلب التغيير من قبل هو عدم وجود قوة جماهيرية نافذة عادلة نزيهة كي يعتمد عليها الشعب في تحقيق اهدافه، الا ان الجماهير بذاتها اصبحت القوة التي تعتمد دون اية قوة اخرى، وهذا ما فرض نزاهة التحركات ودون اية اهداف خفية وان تخللتها حركات بهلوانية من بعض الحركات المنبوذة من القوى الحزبية العسكرية السرية المدعومة داخليا واقليميا، ولكنها لم تتمكن من السيطرة على الموقف طالما توحدت الجماهير وتكتافت وبقت على حماستها التي لا يمكن ان تزيحها قوة شاذة عنها وان تطلبت تلك التحركات المنبوذة تضحيات بسيطة .

و لكن الحذر واجب ويجب ان لا ينقطع الشارع عن الخطوات التي تُتخذ من اجل المحافظة على استقلالية تحركات الشعب من جهة ومن منع القوى الهادفة للصعود على موجة الاحتاجات سواء بتخطيط او بشكل مباشر ومشارك للمحتجين كما حاولوا وفشلوا من قبل من جهة اخرى . ان ايران بالذات غير راضية عما يجري ولا تقف مكتوفة اليدين، وهي تعلم جيدا يمكن ان تخسر كثيرا سياسيا كانت ام اقتصاديا، فهي بينت عن نيتها باستقبالها المالكي بشكل مبالغ فيه . اما خطوات الغاء البرلمان ونقض الدستور او تجميده او التغيير نحو النظام الرئاسي الذي لا يمكن ان يفيد احدا الا ايران والقوى المتخلفة نتيجة امكانهم وقدرتهم على السيطرة بشكل كامل على الامر في اللحظة المناسبة كما فعلت بعد الثورة الاسلامية الايرانية وكيف رفست بكل القوى الاخرى دون اي اعتبار للتضحيات التي قدموها في الثورة . انهم على دراية ومعرفة تامة بما يمكن ان يقدموا عليه في الوقت المناسب، فيمكن استغلال اي خطا او فجوة لفرض حكم ولاية الفقيه وما ثبتوه في ايران ما بعد الثورة باالحيل والخطوات التدريجية التي سيطروا بها على زمام الامور لحد الان .

ان ما ينقص الاحتجاجت هو البرمجة القيادية الجماهيرية النابعة من رحم التظاهرات ذاتها، اي عملية السيطرة وادارة التظاهرات من ذاتها وتفعيلها وتقويتها من اجل عدم الخضوع لاية جهة او قوة او تصفير الاحتمال الذي يمكن ان يظن المراقب بامكان السيطرة عليها من قبل المصلحيين وتسييرها وفق خطط وبرامج فئوية او مصلحية او ايديلوجية ضيقةاو منع اجتمال التشويش عليها . فانها تظاهرات شعبية وادى الشعب دوره بشكل حيوي وجميل، ولكن النجاح ليس معتمدا على الكمية الفاعلة بقدر النوعية المنظمة والمخططة لمنع اي خلل يحدث مستقبلا ولمنع ما يمكن ان يوجه المسيرة باتحاه خاطيء ايضا .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم