أقلام حرة

يجب ان لا تنغرز الحكومة العراقية في وحل الربيع العراقي

emad aliهل من المعقول ان نسمي الاحتجاجات التي اندلعت بشرارة نقص الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء في هذا الصيف القارض، يمكن وهي شرارة الاعلان عن رفض الواقع المزري، وان مظلوم البصرة منتظر الحلفي هو البوعزيزي لانطلاقة الربيع العراقي المتاخر، ام يمكن ان يحسب لها البعض على انها سيناريوهات سياسية اُستغلت وخرجت من تحت ايدي من دعمها والتي كانت لصالحه او اعتقد ذلك، وربما الهتافات والمطالب السياسية الحقيقية خرجت من الدائرة التي ينتمي اليها من استغلوه بداية من حيث الفكر والايديولوجيا، ومن اراد ان يركب الموجة ويستفاد منها لتقوية مكانته والنجاح في صراعه الداخلي في حزبه وعلى الساحة السياسية بشكل عام، او ربما بتوجيه منه بداية، وكما نرى نجح العبادي من خلالها في التخلص من خصومه، الا انه سيواجه اصعب منهم سواء على ارض الواقع من خلال مسيرة التظاهرات والاستنهاض الذي حدث في حركة الشعب او ما اتخذته مسيرة الاحتجاجات من التوجه نحو هدفها الصحيح والذي يحتاجه العراق (لا اعلم ان الوقت ملائم وتحوي الحركة على مقومات التحدي والنجاح ام ستجهض مبكرا) من الهدف المنشود الذي يجب ان يصل اليه العراق اليوم كان ام غدا .

يبدو ان الخوف من خروج التظاهرات عن الحدود المرسوم لها او انزلاقها عن الدائرة التي تفيد مجموعة دون غيرها، قد يؤدي الى قضمها بالقوة الغشيمة بشكل مباشر او غير مباشر من قبل الحكومة كانت التي استفادت منها كثيرا او من المتضررين الاخرين لاعادة المكانة التي فقدها من تضرر منها . واليوم ربما تعود الحال الى الوضع المستقر لها تقريبا والتي اريدت منها انطلاقة لدحر الاخرين بضربة قاضية كما فعلت رئيس السلطة التنفيذية، ولكن دون ان تنتهي الصراع بشكل نهائي، والمباراة متواصلة والصراع قائم رغم ما يشتهيه البعض من استخدامها في مكان ليس للشعب الا القليل منه . ان الهزة التي احدثتها هذه التظاهرات قد استنهضت كل الهمم ووحدت الجبهات الشعبية وهذا الجانب الايجابي، وربما قد تتواصل الحلقات في ربط ما يجري الا اذا وأدتها الحكومة او غيرها من القوى المتنفذة الموجودة على الساحة، كما فعلت بالامس في بابل والبصرة، على الرغم من الراي الصائب حول عدم تلائم الوقت والمرحلة مع خلق اعتصامات دائمة .

هل الوقت ملائم لاعتصامات دائمة، والوضع السياسي العسكري العراقي حساس الى درجة يمكن ان يفرط العقد ويُستغل من قبل داعش وغيره ويزيد الطين بلة في هذه المرحلة الحاسمة . على الرغم من اننا نعتقد بان الاصلاحات التي اعلن عنها العبادي وصدقها البرلمان، ربما تفيد دائرة ضيقة وتغلب جهة على اخرى في الصراعات، ومن المحتمل ان يكون الفاعل هو الشعب خارجا بكافة فئاته بخسارة فادحة بدلا من ما تقدم من اجله، الا انها ايضا من المحتمل ان تقع لصالح الشعب في جانب منها، وهو اعادة صرف الثروات المفرط بها الى مكانها الملائم من كيفية التصرف بها لصالح الشعب في هذه الازمة الخانقة، وفي هذا الواقع الاقتصادي الحرج الذي ينخفض سعر النفط الى ادنى مستوى له في هذه المرحلة .

هل استفادت الحكومة في ضرب المقابل القريب او البعيد من الناحية العرقية والطائفية وكانت خطواتها لصالح فئة معينة ام الاصلاحات تفيد الجميع، هذا هو المشكوك فيه، لان الجانب المصلح الذي اتخذ زمام الامور بعد انطلاق التظاهرات ومن حوله لازالوا محسوبين على فئة وجناح وحزب وايديولوجيا وتاريخ معين، ولحد الان لم يتضرر منهم في الخطوات القليلة السابقة الا شخصيات معينة فقط ومن الجانب الشكلي فقط، الا ان مستقبل النظام السياسي في العراق والتوجه غير مضمون لانه يتوقف على ما يحصل وما نصل اليه وما تطور من الوضع وكيف يتعامل المتنفذون مع ما يجري .

يجب ان تؤخذ حال وما الت اليه ظروف الدول العربية المنتفضة والثائرة من قبل بنظر الاعتبار، والاعتبار منها ليس بسهل لما نعلم عن ما ومن يحكم العراق، وليعلم الجميع كيف عقدت هذه الدول الثائرة مسيرتها وكيف خسرت ما حصل فيها بدلا من ان تستفاد تضررت وانعكس الامر الى غير المنتظر او المنشود اصلا، وكما حصل في سوريا وليبيا واليمن على وجه الخصوص . فالعراق اكثر تعقيدا من الاخرين من حيث الجغرافيا والتاريخ والسياسة والتركيب الشعبي والروابط الاجتماعية الثقافية الاقتصادية، لذلك يستوجب الحذر الاكبر .

فان كانت الاحتجاجات جاءت عابرة لهدف وتوجه ضيق من قبل فئة او حزب او جهة ما وليست نابعة من توجهات مدنية او شعبية بحتة، كما يدعي البعض، فلا يمكن ان تقع لصالح مجموعة معينة فقط وننتظر ان تنجح في النهاية، الا انها سوف تكون عصا بيد الاخرين وفي غير محلها، ان لم تتوحد الناس وكما استخدمت القوة الغاشمة ضدها كما فعلت المجموعات الملثمة بالامس، دون جواب حاسم .

لقد انقطعت العلاقة بين الشعب وحكومته (ليس شخص العبادي في هذه المرحلة) والطبقة السياسية على العموم، وعليه، لا يمكن ان تنجح الاحتجاجات الا اذا كانت في غير صالح السلطة العادلة المنشودة ( ليس شخص معين) وهذا يكون صعبا او مرفوضا من قبل المتنفذين ويمكن اجهاض ما يجري باية حجة كانت في ظل عدم وجود الجيش والشرطة الوطنية المستقلة، وفي ظل وجود ميليشيات عاملة وفاعلة ليس لها مثيل في اية دولة من دول الربيع العربي .

ان العامل الرئيسي لم يكن موجة حر بقدر ما كان الغضب والاحتقان المدفون في نفس وحال العراقيين بجميع طوائفهم، وياسوا من حالهم ومن السلطة والاحزاب جميعا لما تجرعوه من مر السقام لم يشهد تاريخ العراق بهذا الكم الهائل من التعقيدات والفوضى وفي ظل الثروة الهائلة خلال السنين المنصرمة ونقص الخدمات الضرورية .

ان رئيس الوزراء سار مع الموجة وتراسها وحتى يمكن ان نقول انه استغلها و نفذ كان يضمر وما امره به المرجعية التي تدخلت بشكل مباشر، وانه اي العبادي كان اساسا المعتمد عليه ليكون مصلحا وموثوقا من قبل الجميع وان لايسير على خطى سلفه، ويستهل دورته بازالة الاثار السلبية في الحكم من الفساد والتهميش والاقصاء والتفرد في الحكم التي اتسم به سلفه، لكونه من الثقافة وا لتربية والجغرافيا المغايرة لمن سبقه، وانه سائر مع ما يجري ويتوقف حياته السياسية ومستقبله على ما يمضي معه ويسير به الى النجاح فيه، وان لم ينجح في مهمته سوف يقضي على اهدافه الذاتية وينتهي سياسيا في النهاية بسرعة كبيرة . الا ان الصعوبات كبيرة وقائمة داخليا وخارجيا، ويجب ان يعتبر الشعب لما وراء الستار ايضا، والعفوية ستضر في الكثير من الاوقات، لان المتدخلين سواء كانوا خارجيين او الداخليين الموالين لهم سيعملون بخطط وتوجهات من اجل مصالح وسيتقدمون بما يمكن عمله لكونهم يملكون الخبرات والقدرات الكبيرة .

المرحلة الحالية صعبة على الجماهير وعلى العبادي ذاته، لجملة من الاسباب، وهو يكمن في التساؤل؛ من يصلح ومن ينفذ ومن يدعم ان كان العبادي يتعرض لحزمة من العوائق والصعوبات من الحلقات الكثيرة من المقربين الموالين لخصمه، ومن الجهات المتعددة المتضررة من خطواته، وباية الية يمكن ان ينجح ، هذه عوائق واقعية صعبة الحل، ولكن لو تمعن العبادي ودقق اكثر واختار الصح من الخطط والالية واعتمد على الشعب وكان صادقا، فانه سينجح مهما تبجح المغرضون .لقد اصبحت كل الظروف وما ينضوي فيها لصالحه لحد اليوم .

يمكن ان نقول ان المرحلة الاولى قد شارفت على الانتهاء، المرحلة الثانية تتطلب هدوئا شعبيا واصلاحا قضائيا لتسهيل الامر وتسوية الطريق من اجل السير بالسرعة المطلوبة لتنفيذ الاصلاحات التي وعد بها وهي كبيرة وتلقى تحديات اكبر، ولكن التعاون والصدق مع الذات والابتعاد عن الايديولوجيا الضيقة والتوجهات المنفردة سيدفعه والخطط الناجعة نحو السكة الصحيحة . فهنا يجب ان نقول، ان المرحلة الحالية وما بعد المرحلة الاولى، تحتاج العملية الى التريث والهدوء والانتظار الواعي من قبل الشعب لفسح المجال لتحقيق ما حددت من الاصلاحات في فترة معينة دون الابتعاد كليا عن الشارع او البرود في العملية، ومن ثم يمكن تقييم الوضع والبدء في مرحلة مكملة في وقتها المحدد، ولكن نؤكد هنا دون انقطاع عن التظاهرات الاسبوعية بعيدا عن الاعتصامات والاحتجاجات الدائمة التي يمكن ان يستغلها مصارعو العبادي قبل الاخرين .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم