أقلام حرة

فكر سقيم وأمة عليلة!!

الفكر يصنع الحياة، والحياة مُرج أفكار، والأيام مرآة أهلها، والفكرة قوة وطاقة نماء أو بلاء، والحضارة فكرة، والخراب فكرة، وكل موجود فكرة.

وأمتنا الفكرة أطلقت جوهرها، وصنعت هويتها، وألهبت إبداعها الأصيل، وعنوانها "لا إله إلا الله"!!

أمة تألقت وإمتطت صهوة الأمجاد الأرضية والكونية، وشعشعت بأنوارها الدرية، فأضاءت دروب البشرية الظلماء، وأوقدت فيها مشاعل الرحمان والإيمان، وأهّلت الأجيال لتسلق سفوح العلاء والبهاء.

أمة تفتحت براعمها، وفاح عطر زهورها، ورياحين ذاتها وتطلعاتها السامية النبيلة الشمّاء، فقادت البشرية إلى منابع الأفكار الإنسانية ومباهج الحرية والصلاح والنماء.

أمة أصيبت بغيبوبة حضارية، وصدمة نفسية وهزة عقلية، أوقعتها في مخادع االمخاوف والضعف والمرض المزمن، الذي أفقدها قدرات الخطو لوحدها إلى أمام، فتوكأت على مَن يمد لها يد المساعدة على النهوض والإستيقاظ من رقدة العدم.

ولا تزال تتوكأ على غيرها مهما كانت طبيعته ومراميه، وكأنها تقول لنفسها " عدوٌّ ما من صداقته بدّ"!

وهذا خطأ وإنحراف سلوكي، يشير إلى إدراك مريض للذات والموضوع.

وحين إنتفضت العقول منذ بدايات القرن التاسع عشر، ساعيةً لعودة الروح والجوهر العربي إلى بدن الأمة الملقاة على قارعة دروب العصر، ما استطاعت إنتشالها، ومضت وكأنها خردة أو سلعة بالية، أو جوهرة في صندوق نخرته ديدان التراب والزمان، فأشيح عنه النظر.

وأبناء الأمة الذين تناهضوا وتحمسوا ليقظتها وإستعادتها لعزيمتها وإرادتها الحضارية، كانوا في أصل منطلقاتهم غير قادرين على صناعة وإبداع الفكر الأصيل، وإنما كانوا مسوّقين لأفكار التوكئِ والتعكز، التي تسببت بإيقاع الأمة في حفر متوالية، ومطبات باهضة التكاليف ومدمرة، أدت إلى تمحنها في ذاتها وموضوعها.

فالمفكرون الرواد والمصلحون الأوائل، تفاعلوا مع الواقع العربي بفلسفة الغريق الذي يتعلق بقشة، وهذا المنطلق هو اللبنة الأخطر في دمار الأمة وتعويقها، وأصبح كالمرض المزمن المهيمن على وعيها ومصيرها، ذلك أنهم لم ينتجوا فكرا يحقق وجود الأمة، وإنما إستوردوا الأفكار وعقموا العقول وخنقوا الإبداع، وعلى هديهم سارت أجيال وأجيال، وحتى الوقت الحاضر، تجدنا بلا إنتاج فكري أصيل، ونتجه نحو الآخرين وتستقدم أقكارهم ونظرياتهم، ونقحمها في واقعنا الذي لا تعرفه ولا يعرفها.

وهذه هي المعضلة الحضارية الأخطر في تأريخ الأمة وحاضرها، المفرّغ من طاقات الإبداع الأصيل، وكل أمة لا تنتج فكرا أمة ميتة أو موؤودة في تراب ذاتها وموضوعها، وأمتنا فقدت مهارات وآليات الإنتاج الفكري الأصيل، بل أنها بسبب إضطراب الفهم والإدراك إنقلبت على نفسها، وراحت تمحق ما يمت بصلة إليها، فوجدتها تعادي دينها، وتدمر عقيدتها، وتقضي على أنوار مسيراتها ومميزات كيانها.

ولن تستفيق من أزمتها المزمنة القاسية، إلا عندما تؤمن بجوهرها الذاتي وتتفاعل عقولها لإنتاج فكر يعبّر عنها، ويساهم في صيرورتها الإنسانية المثلى، وما دامت الأمة تقوم بدور المستهلك للأفكار لا المنتج لها، فأنها ستبقى في محنة الضياع والخسران!!

فهيا لإنتاج الأفكار لكي نصنع الحياة، ومَن لا ينتج فكرا يعيش في القاع!!

 

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم