أقلام حرة

ساسة الشيعة بلا أعداء!

لم تنقضِ غرائب العملية السياسية في العراق منذ نزو البعث العنصري الطائفي على السلطة في العراق الى يومنا هذا الذي يمارس فيه الدواعش والبعثيون نفس النهج الاجرامي بحق ضحايا الأمس وهو موجود كتفاً الى كتف مع ممثلي اؤلئك الضحايا. فدموية البعث ادهش العالم واربك حسه الانساني لمدى سقوطه وهو ينقلب على ذاته مرة ويعتدي على جيرانه مرة، ويفتك بشعبه المرة تلو المرة. اما وقد تدلى صنم النظام بحبل المشنقة في الثلاثين من كانون الاول 2006، الا ان ذلك لم يفِد في اسقاط عباده بعد التاسع من نيسان 2003.

نعم، هذه الغرائب لم تتوقف، بل ولم تتباطأ قط فكان كل يوم يحمل للعراقيين امراً ناشزاً في العملية السياسية وبدعاً شوهاء تتنكر لمبادئ السياسة وادارة الدولة. والذين اعنيهم هنا وعلى وجه الخصوص والتحديد هم ممثلو الشيعة الغريبو الاطوار والافكار. فكما كانت كل الاطراف الاخرى (الكردية والسنية) تمارس سياسة المصالح الفئوية ضمن الصراع السياسي العراقي الداخلي، كان ساسة الشيعة لا يمارسون سوى اطلاق الشعارات الجوفاء حتى حلّت على رؤوسنا كارثة الدستور السقط المليء بالعاهات الذي جرّ علينا ما جرّ من تمرد وعربدة جلال طالباني ومسعود بارزاني وابنائهما وعشيرتيهما وحزبيهما بحيث كلفت العراق ثلث كوارثه بالابتزاز والتمدد والتخريب والتعويق، والثلث الآخر جلبته علينا قواعد البعث الطائفي العنصري بالإرهاب، اما الثلث الاخير فيتحمله بجدارة تامة ساسة الشيعة، ولكن كيف؟ فبالضعف المريع والتشتت الشنيع وفقدان المنهج بأبسط صوره.

انه لمن بالغ الجلاء ان ما تشهده الساحة العراقية اليوم هو نتاج طبيعي لسياسات الأمس التي بُذرت في حقول المنطقة الخضراء ورُعيت وحُرِست من ان ينالها اي تغيير فجاء هذا النتاج كما شيء له. لماذا (ثانية)؟ لأن ساسة الشيعة قد ضربهم الشلل حينها فضلاً عن ضربهم بعضهم البعض وانشغالهم بطموحات شخصية تافهة عجزوا ان يرتقوا بها الى ان تضحى طموحات وطنية وانسانية كبرى، ولعلها اكبر من طاقاتهم الشخصية وآمالهم الوهمية.

وما يُعدّ له من سياسات اليوم هو بذر لحروب الغد بفارق وحيد هو ان تلك الحروب على الابواب ولا تلبث ان تنشب حال إقرار قانون الحرس الوطني المفخخ وذلك بالتماهي مباشرة مع جيوش داعش وبدون فاصل زماني او حادث مكاني اذ الجبهات مفتوحة والارض مهيأة والاحلاف متأهبة. فإذا انبرى السيد السيستاني بفتوى الجهاد الكفائي لإيقاف زحف داعش ودرئه عن بغداد والجنوب بل ودحره بعد التخبط القديم لساسة الشيعة، فهل سيدفع التخبط الجديد لنفس الساسة بالسيد السيستاني الى اطلاق فتوى الجهاد العيني بعد سقوط المدن ذات الاغلبية السنية بدعم كردي واقليمي معروف بُعيد اقرار قانون الحرس الوطني السني المناطقي ثم اعلان قوات الحرس تلك الحرب على بغداد والجنوب وهي تتسلح وتتمون عبر حدودها من دول الاقليم الطائفي؟ فالطائفيون لا يعتدّون كثيراً ولا يعبأون بموضوع حجم ونوع تسليح الحرس من المركز بحسب القانون لأنهم سيضمنون اجود السلاح من السعودية وقطر وتركيا والاردن والامارات والكويت. قانون الحرس الوطني هو المقتل!!

ثالث لماذا؟ لأن ساسة الشيعة لا يعرفون اعداءهم او يوهمون انفسهم ان اؤلئك ليسوا بأعداء فلا يقدرون حجم خطرهم لذلك يحاولون عبثاً ان يتخذوا موقف الحياد في جبهة حرب هم اكبر طرف فيها، كما هم اكبر هدف للإجهاز عليه في العراق. لذلك يسمون دواعش السياسة بشركاء العملية السياسية، ويصفون امريكا بالحليف بينما ضغوطها عليهم هائلة لصالح السنة والاكراد، ويتذللون لتركيا والسعودية وقطر والامارات والاردن بينما هذه البلدان اشبعت العراق اهانات سيادية وأمنية بحقه وبحق المواطنين العراقيين بينما هم يتلقون تلك الاهانات بمزيد من غض الطرف وازدرادها مع ابتسامة خنوع. وليس مؤتمر الارهابيين في البقعة قطر وحلول رئيس برلماننا فيها بدون العلم العراقي "المؤقت" لحضور ذلك المؤتمر بآخر الإهانات.

لعل ما يخفى على ساسة الشيعة المتعادين فيما بينهم والمتوافقين مع اعدائهم، ان وضوح الرؤية والثبات على الصح يدر عليهم احتراماً لازماً وهيبة كافية كانت ستوفر عليهم حروباً قد فُرضت عليهم بالسابق وستُفرض عليهم بالمستقبل القريب شاؤوا أم ابوا. لكن يبقى الفارق هو بالاستعداد وتحديد الاعداء والتعامل معهم بحسب ذلك التعريف وفضحهم وسلب المبادرة من ايديهم على المستوى الوطني والدولي. فأعداء العراق يعرفون ما يريدون وهو شر محض وهم ذاهبون بذلك الاتجاه ولن يثنيهم عن ذلك نعومة وطراوة ومثاليات ساسة الشيعة وهم يقفون على رأس حكوماته.

 

هيثم الغريباوي

 

في المثقف اليوم