أقلام حرة

هل من الممكن ان تنهار التظاهرات في العراق؟

emad aliلقد خرج المواطنون الى الشوارع والساحات، ولم يتحملوا جسميا ونفسيا، بعد انقطاع شبه دائم للكهرباء في ظل موجة الحر التي مر بها العراق والمنطقة في تلك الفترة، الا اننا يمكن ان نقول ان الاحتجاجات لم تكن سوى نتيجة للتراكمات السياسية والاقتصادية المعيشية ايضا ولم تكن وليدة الساعة، وبعد تراجع الوضع اكثر من المحتمل ما ادى الى اان لا يطيق الشعب الوضع وخرج محتجا وتلقفها فرصة بعد ان تفجرت الاوضاع بشعلة نقص الكهرباء .

لقد تعامل العبادي بشكل مباشر مع التظاهرات ودخل الساحة بنفسه واستغلها بشكل جيد لتحقيق بعض الاهداف الضيقة، وكانه ليس له الذنب وهو من الرحم ذاته الذي حكم العراق طوال هذه الفترة، ووجٌه انظار المحتجين نحو الحرس القديم وابعد نفسه من دائرة المذنبين وكانه نزل من السماء، وازداد من نسبة نجاحه في اسلوب تعامله مع الواقعة وحتى يمكن ان ندعيه بانه تراس الاحتجاجات بعدما اخرج بحزمة من المتطلبات التي سميت بالاصلاحات بحُزم متتالية اسبوعيا الى ان خفف من هول الفوضى التي كان بالاماكن ان تنتج منها، وبه استوعب الاحتاجات ولازال، لكونه يحسب نفسه منهم رغم عدم تنفيذ ما وافق عليه البرلمان على الاقل الا على الورق . حرارة العملية الاحتجاجية فرضت نفسها على الجميع، ولم يتمكن حتى عضو برلمان واحد ان يدعي ان بعض فقرات الحزمة التي قدمها العبادي خارج نطاق الدستور في البداية، وشاهدنا الموافقة عليها بالاجماع ! ولاول مرة يحدث مثل هذا الاجماع دون صراعات وتلاسنات واحتكاكت لمجموعة طلبات حكومية حساسة بهذا الشكل، منذ السقوط . كانت الاحتاجات في بداياتها ودعمتها المرجعية بشكل مباشر لا بل طلب من العبادي اصدار اوامر لنواحي عدة من التي اعتبرتها من واجبه الاصلاح فيها . وهكذا كلما مر اسبوع والعبادي تماهى مع الاحتاجاجات بحزمة اصلاحية، وان كانت ترقيعية تقشفية لم تصل الى الاصلاح من قريب او بعيد لحد اليوم، وان كان لها تاثير مباشر، الا ان تنفيذها مؤجل الى اشعار اخر بعد التدخلات الخارجية والداخلية المعرقلة، والتي لا يمكن لعبادي تجاوزها بسهولة . يقل زخم العدد للتظاهرات اسبوعا بعد اخر، ويمكن ان نرى تململا هنا وهناك، الا ان هناك اصحاب ارادة ومن النخبة الواعين يعلمون جيدا بان لم يحصل ما حدث على نتيجة مشهودة لها لا يمكن ان يرفع احد راسه فيما بعد لمدة طويلة .

اراد الكثيرون الركوب على موجة الاحتاجات من القوى السياسية والشخصيات والدول، وتدخلت في الجانب اخر الكثير من المعادين للاصلاحات، لانهم يعلمون جيدا بانهم يتضررون منها سواء احزاب كانت ام شخصيات او ميليشيات تابعة لهذا وذاك . على الرغم من كثرة عدد المنظمات المدنية، الا اننا لم نشهد التاثير الكبير المباشر على وحدة الراي والتوجه والعمل المطلوب منهم للقيادة ومن اجل وحدة الصف ورفع المعنويات والدعم لبقاء الاحتاجات قوية راسخة صامدة بعددها وعدتها وبكيفيتها وكميتها، الا ان مواقف اكثريتهم اختلفت من منظور تبعيتهم لهذه الجهة وتلك .، ولم يبق الا المستقلين الحقيقيين، وهم القلة الواعية الناضجة، بعدما تراجع من تدخل عند الهوسة وتراجع بعد الدوسة، كما يُقال .

كانت الاحتجاجات بسرعة لم تتمكن بعض القوى من عمل مباشر منذ بداياتها لتوجيهها حسب هواها، الا ان خمولها وتباطئها منحت الفرصة للتاثير عليها وبوجود قوى ميليشية تابعة علمت بمدى تضررها وتلقت الاوامر من رعاتها للتحرك باي شكل كان لسحب البساط من تحت ارجل الشعب، وفعلوا كثيرا بطرق شتى اندسوا وارادوا تفعيل الفوضى، اضافة الى ما قصدوا ان يفرضزا لون وصبغة معينة على الاحتجاجات لاخراجها من العفوية التي خرج الشعب بها وانحرافها .

رغم اصرار النشطاء والنخبة المثقفة الواعية المخلصة الا ان موجة الاحتاجات وصلت لحال لا يمكن ان نتوقع ان تكون لها التاثيرات التي كان بالامكان البقاء على قوتها من البداية، وكان بالامكان ان تدوم باعتصامات منذ انظلاقها وتقويتها يوميا كما حصلت في ساحات العربية .

الوضع السياسي والاحزاب المسيطرة على السلطة ومن يعتبر نفسه معارضا، معلوم البنية والتركيب والايديولوجيا والفكر والفلسفة، وبعدما رفعت خلال الاحتجاجات شعار( باسم الين باكَونا الحرامية) اصابت الكثيرين الصدمة واحس المعنيين بالخطر التي يحدق بهم ويحرق الكثيرين منهم وتُضرب مصالحهم . لقد تراجعت قوى بشكل ملحوظ . والعبادي بعدما تلقى المعارضات الداخلية الكثيرة ومعها المتطلبات الخارجية، لقد اصابه نوع من خيبة امل وعاد الى عادته القيمة وهو ابن العملية السياسية منذ السقوط، وكما فعل بعض من سبقوه من الخطوات الضيقة الافق لا تمت بالاصلاح بشيء فعل وكرر هو ايضا ما حدث من قبل .

السؤال الاهم، هل تبقى الاحتجاجات فاعلة سارية المفعول مؤثرة كبداياتها ؟ لو كنا صريحين، اننا نقول ووفق ما نعلمه من التجارب السابقة في المنطقة واقليم كوردستان من قبل، فان المثل الصحيح الذي نؤمن به ( ان الحديدة تندكَ وتنعدل وهي حارة) الا ان بقاء حرارتها يقع على عاتق الكثيرين وفي مقدمتهم النخبة الطليعية المثقفة التي لا تهاب شيئا، ولكن نتائج تحركاتهم لازالت غير منظورة الافق . هل يقاومون ما يحدث ويستمرون؟

ان كل الاحتامالات واردة ومنها يمكن ان تاتي شرارة اخرى من عمل او تحرك معين اخر، والا فان خمود العملية الاحتجاجية اتية بشكل ملحوظ في الاسابيع القادمة، ويحدث التريث لحين مجيء فرصة اخرى وظرف مؤاتي اخر يدفع لاحتجاجات اكبر . وما حصل في لبنان وما وصل، خير مثال قريب لما يمكن ان يحدث في العراق ايضا، وما اعتقده ان الاحتجاجات لا تنهار مرة واحدة الا ان زخمها يخفت تدريجيا اسبوعا بعد اخر . وارجوا ان اكون مخطئا، وان لا تعود حليمة الى عادتها القديمة .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم