أقلام حرة

ترك منصب المدير العام ليعمل مع الفلاحين

akeel alabodلذلك قرر صاحبي ان يترك منصب المدير العام، الذي كان قد كلف به بحسب الامرالاداري الصادر من الوزارة التي يشغلها صديقه ومسؤول كتلته، نادما حزينا، على فعلته، حيث بدلا من أشغال المنصب المذكور من قبل من يستحقه، تم تكليفه هو لاشغاله، أملا باستكمال المقاعد الخاصة بملاك الوزارة المذكورة، رغم انه لم يكمل دراسة البكالوريوس في الزراعة بعد.

يومئذ لم يكن يقوى على تمالك نفسه، فهو لم يصدق ان يشغل تلك الدرجة أوالمكانة، ما جعله مفتونا متلهفا خاصة بعد تشجيع المقربين له.

راح يتخيل نفسه على انه اصبح ذا شان، وتأثير يجعل منه ان يكون محل احترام، وتقدير من قبل الجميع. فالآخرين سـينظرون اليه على انه الاعلى، وسيمشي فخورا مزهوا بنفسه، سيحلق به العامة، سيطير بلا اجنحة، سيقصده المقربون عارضين عليه حاجياتهم، لعله يجد حلا لها بطريقة سهلة، سيكتفي عندئذ برفع سماعة الهاتف لتعيينهم.

راح ينظر الى المنصب الذي شغله بزهو وتباه، بفخر وعلو، حتى احس انه يتراجع امام القيم التي تعلمها يوم كان سجينا على أيدي جلاوزة النظام، تناسى انه كان قد نذر نفسه يومها لخدمة الطيبين والمحتاجين.

ارتفع ضجيج المظاهرات، وسخط الشعب ضد الحكومة التي تم انتخابها، وراح المتظاهرون يضربون باحذيتهم صور جميع الوزراء، والمستشارين بلا استثناء.

أيقن ان جميع من معه من الكبار والصغار قد زجوا بهذا الشعب الى الجحيم، خاصة بعد ان توالت احداث الهجرة، والكوليرا واستضافة المتورطين بغية محاسبتهم، وشعور البعض من المستشارين بالخجل والإحباط، راح ينظر الى الكرسي الذي كان ينظر اليه بفخر وعلو ابان تعيينه، باستهجان غريب، تخيل ان يبصق على نفسه، نظر الى السماء، بعيدا عن قناع الانتخابات، والدين، والسياسة.

حاول ان يتحرر مما هو فيه، لكنه سرعان ما وجد نفسه مأخوذا هكذا أمام جمع غفير من الناس، كانوا يضربونه بالعصي والهراوات، كما حصل تماما مع أولئك الطغاة، القذافي واحدا منهم.

استعاد الصورة السابقة، راحوا يضربونه بقسوة، يتدافعون حوله، اخذ الدم يسيل، تذكر احد الخطباء يوم قال: اجعل نفسك عابر سبيل في هذه الدنيا، ودع غرورها وزينتها، فانها الزائلة، واقترب الى الحق لتنجو، كان ذلك بعد ان استيقظ من كابوس مخيف، حدث نفسه قائلا : اذن كيف سانجو، وانا غارق في بحر هذا الحرام، كيف علي ان أنأى بنفسي، بعيدا عن تيار فلان، وكتلة فلان، كيف ساخلع رداء الزيف هذا؟

لقد تم ابطال جميع المسميات، بغض النظر عن درجاتها، بما فيها أولئك الذين مرروا أكاذيبهم ذات يوم على انهم رؤساء كتل، اوكيانات، اليوم عليه ان ينزع فتيل أكاذيبهم، ومسمياتهم، كما ينزع فتيل قنابل موقوتة، هؤلاء لا تختلف زعاماتهم عن أولئك الذين يصنعون العبوات، فهم يتمتعون مع ذويهم بكافة الامتيازات على حساب شعب لم يذق الا الويلات.

لقد تساقطت جميع أوراقهم، ولم يبق الا حريق هذا الجمهور الذي سيخترق عماراتهم، وموائدهم، سينسف ما تم اختلاسه غصبا وزيفا.

ترتب عليه ان يدفع الثمن بإهضا، واول دين عليه هو ان يعود فلاحا يحرث الارض، كما كان ايام زمان، يحتسي الشاي مع أبناء قريته، يترك تلك الموائد، يتطهر من طاولات التخمة، وارصدة السحت، عليه ان يعود الى خبز التنور، اما المال الذي حصل عليه من وظيفته، فعليه ان يدفعه ثمنا للفقراء والمحتاجين.

لقد بات موسم الحج قريبا، لكنه وضع علامة استفهام، فقد صار من يدرج اسمه مع تسلسلات الحجاج، الذين يسمح لهم بحسب الملاكات الحكومية وأصحاب الحصانة الدبلوماسية، تحت الشبهات، عندئذ قرر صاحبنا الامتناع عن اداء الحج والاكتفاء بمبلغ بسيط كان قد أدخره من خزانة أمه التي توفيت قبل سنة مضت، ليؤديه ثمنا لمراسيم عاشوراء التي كانت على الأبواب ، ما يجعله اكثر اطمئنانا وتقربا الى الله من الحج ذاته.

فالامام الحسين خرج بثورة إصلاح ضد عرش يزيد، وخزائن عمر بن سعد "الذي غرته الدنيا"، وهذا كفيل بان يرتقي به صوب مرتبة تكاد ان تكون أسمى وأكثر علوا، وقدسية من هذا الهراء الذي يراه ويسمعه الآخرون، كلم نفسه مستطردا: إذن ساوزع جميع ما حصلت عليه من هذه الحكومة الى فقراء هذه الارض، ومستحقيها، سأبحث عنهم الواحد تلو الاخر، وقبل مراسيم عاشوراء.

سيكون اليوم العاشر، اخر ما تبقى لي، ساضحي كما ضحى الحسين بكل ما امتلك ثمنا لفقراء القرية التي انتمي، فهي اشرف وأطهر من الكتلة التي خدعتني، لذلك سأعود فلاحا، اعمل في حضرة ام أنجبتني، فهي اهلي ومالي، ودنياي،واخرتي.

 

عقيل العبود

في المثقف اليوم