أقلام حرة

هل تنتصر تمنيات الحالم على وعود الكذّابين؟

nabil ahmadalamirرغم نصيحة الأصدقاء بالإبتعاد عن تناول السيد رئيس مجلس الوزراء في مقالة، خاصة خلال هذه الفترة على الأقل.

ففي أجواء التظاهرات الجماهيرية، وفتاوى المرجعية الدينية الإسبوعية ومشروعه الإصلاحي، يجعل الكلام عنه مجازفة حقيقية قد تضر بكاتبها، لكننا قررنا الخوض بالموضوع والتوكل على الله، لا لسبب سوى لقناعتنا بضرورة تسجيل نقاط الضعف والخلل في العملية السياسية وهيكل الدولة والحكومة العام أمام السيد العبادي عسى أن ينتبه ويتعلّم من دروس التاريخ القريب والبعيد .

فقد ورث الدكتور حيدر العبادي أسوأ تركة من سلفه المالكي . . . . ورثها ثقيلة ومبعثرة . . .

- فثلث مساحة العراق ساقطة بيد تنظيم داعش الإرهابي .

- وخزينة يصفر فيها الخواء .

- وجيش متخم بالرتب العالية، لكنه عاجز عن الصمود أمام رعاع .

- ومظاهر الفساد تملأ الدولة من رأسها لذيلها في تضامن محكم بين قادة الكتل السياسية وصولاً الى أصغر أتباعهم في أقصى ناحية .

- ومؤسسة قضائية تُباع وتشترى برخص .

- وخدمات متردية تقف على ركام هائل من العقود والصفقات الفاسدة .

- ونفوذ إقليمي يقتحم مصادر القرار الحكومي والمعارض من الجهات الأربع .

- وشعب أنهكه الماضي والحاضر، ففقد طعم الإحساس بالزمن والتطلع للمستقبل .

لقد تجمعت عناصر التدهور التي قامت عليها العملية السياسية منذ ٢٠٠٣، لتصل الى اللحظة التي تولى فيها السيد العبادي تشكيل الحكومة . فيما تتحرك الساحة الإقليمية بنشاط حيوي على ضوء مخططات وتدابير واضحة لكل الأطراف، باستثناء العراق الضائع من داخله وخارجه .

فقد ساهم أعضاء مجلس الحكم وبريمر (لعنه الله) واتباعهم بقدر ما في تخريب الدولة الضعيفة الموروثة من نظام الدكتاتور، خصوصاً عندما وقّعوا مجتمعين على وثيقة الدستور غير الواضح الحدود والمعالم، وبدأوا خطوات الدمار الأولى عندما اعتمدوا على أتباعهم الجهلة في إدارة الدولة، وأقصوا طاقات العراق، من أجل تنفيذ عمليات السرقة لبناء كياناتهم وتكوين ثرواتهم، استعداداً لخوض معارك التنافس والصراع السياسي .

ربما يمكن أن نجد لهم وصفاً بأنهم لم يكونوا على مستوى من الفهم والمعرفة والوعي السياسي والشعور الوطني والالتزام الأخلاقي، بحيث يجعلهم يقدّرون نتائج أفعالهم . فقد نظروا بدوافع الذات والفئوية والمصلحة الخاصة، فأرادوا ان يستقووا بالحرام المعلوم على المستقبل المجهول، فعميت ابصارهم عن رؤية مصير البلاد الذي ستؤول اليه بعد عدة سنوات . فهجموا على عقارات الدولة وقصورها واراضيها وأموالها ومعدّاتها وأجهزتها ودوائرها، في أشرس هجمة نهب وسرقة تشهدها دولة من الدول على يد فئة كان من المفروض أن تقوم بحماية أموال الشعب وبناء المدمر من دولته .

كان كبار السرّاق اشخاصاً لهم أتباع لا يفرّقون بين الناقة والجمل . وكان حلم المسؤولين والمستشارين والقياديين قبل دخول مغارة علي بابا، الحصول على وظيفة بسيطة تستر حالهم، فاذا بالصدفة تُنزّل عليهم سلطة المنصب والمال . فاتفقوا على سرقة ما يمكن سرقته، بما في ذلك عمر المواطن البسيط وأحلامه .

بهذا المسار البائس، وبهذه الصورة المؤلمة وصلت السلطة الى السيد العبادي . . . .

وصلت منهكة ثقيلة متعبة الخطوات، لكنها جاءت مطيعة محاطة بقدر مقبول من الأمل، بانتظار قراراته وشجاعته وحسمه .

كان السيد العبادي صادقاً في رغبته لإنقاذ العراق من أزماته . . وكان جاداً في رغبته لمحاربة الفساد وفرض سلطة القانون . . وكان قوياً في رغبته لتحرير الموصل وإلحاق هزيمة ساحقة بتنظيم داعش الإرهابي، وهو بنفس الجدية والقوة في رغبته بتحرير الأنبار .

ففي بداية حكمه اعلن عن اكتشافه بعملية مراجعة بسيطة وجود خمسين ألف جندي فضائي. وبعد أسابيع وقف يخطب محذراً هذا الجميع من أنه سيقود معركة محاربة الفساد والفاسدين، وصفق له الحضور بحرارة، وابتهج الشعب برئيس وزرائه الجديد الذي بدا عازماً على محاربة الفساد، ومعاقبة المتورطين، وكتبت وسائل الإعلام بناءاً على خطابه أن الدكتور العبادي مستعد لمحاربة الفساد حتى لو كلفه ذلك حياته .

كان السيد العبادي يعبر عن رغبة حقيقية لمعالجة ملف الفساد، بدون خطوات عملية واضحة، خصوصاً عندما وضع نفسه في موقع الضعف الذي يمكن أن يقتله المفسدون حيث يقتل القوي الضعيف، وكانت هذه أول الأخطاء حيث لوّح بقوّة الفساد والفاسدين، وقارن قوتهم بقوته لكن بإتجاه وصورة معكوسة كمن ينظر في المرآة . .

فوجد نفسه ضعيف، ووجد الفساد وأصحابه أقوياء .

عندما ينصح حارس البيت اللص بعدم سرقة المزيد، وتلإكتفاء بما سرق، ويحذره بعدم تكرار فعلته لانه سيلاحقه حتى لو قتله اللص .

فالحارس يرغب بعدم حصول السرقة، وليس الإمساك باللص واستعادة ما سرق ومعاقبته على جريمته، وهنا كان الخطأ الثاني الذي كان على مستشاري العبادي تنبيهه عليه .

وتحدث السيد العبادي عن سقوط الموصل واسبابها، فقال ان الأسباب ستتكشف عندما نحررها من تنظيم داعش، بدون أن نرى منه إهتمام بملف جاهز تم إعداده في سنة طويلة على شعب ينتظر توضيح ماحصل . . .

ملف لم يستطع التحدّث عنه لا لسبب سوى أن المُدان فيه كان رفيق دربه في الحزب ورئيسه في التنظيم ... ولم يدري أو يخطر بباله أن الأمر سيتكرر في سقوط محافظة جديدة، وأنه سيخوض معارك جديدة بدون معرفة اسباب السقوط الأول . . . خصوصاً عندما تلاحقه وزير دفاعه وهو يقول أن الإنسحاب من الرمادي أمر طبيعي لأنه تكتيكي تتطلبه ظروف معركة التحرير . . منطق غريب لعسكري يشغل منصب وزير .

كانت ولازالت خطابات السيد العبادي يسيطر عليها التمنيات التي هي بعيدة كل البعد عن الحسم الإيجابي، رغم قناعتنا بصدق رغبته للنهوض بالواقع المرير لبلد اُنهك شعبه وإقتصاده بسبب سوء الإدارة والفساد . . . لكن هل يمكن حل المشاكل بالتمنيات ؟

فإدارة الدولة بالرغبات والتمنيات لا ينحصر في السيد العبادي وحده، فهذا منهج يعتمده وزراءه أيضاً، ويلتزم به قادة الكتل السنية والشيعية، يتبعهم في ذلك النواب والمسؤولون وكبار الموظفين والعسكريين . . وهذه ستراتيجية لن يصل بها أحد لنتيجة .

لقد عاش المواطن العراقي سنوات صعبة تحت حكومات الوعود، واستبشر بحكومة جديدة، وجدها حكومة رغبات وتمنيات جديدة، وكاد أن يحترق الزمن من جديد انتظاراً، كما فُعل بالشعب من قبل، لكن نداءات المرجعية وتوجيهاتها حركت الجمهور، وفتحت أعينهم على ضرورة المطالبة بحقوقهم، فخرجت الجموع جمعة تتبع أخرى ترفع الشعارات الواعية، وتطالب بانجازات حقيقية تريد ان تلمسها لمس اليد، لا أن تتذوقها بالأحلام والتمنّي .

حصل الدكتور العبادي في التظاهرات على فرصة التاريخ الذهبية التي لم يحصل عليها أحد ممن سبقوه، وصار رمزاً للإصلاح، وهتفت الجماهير في بغداد والمحافظات تؤيده وتساند مشروعه الإصلاحي بالقول والفعل، وتكرر استعداد الجماهير للموت دون تحقيق اصلاحاته، فلم يعد أمامها غير التضحية من اجل أن ترى المفسدين امام قضاء عادل . فأطلق العبادي عدة حزم من ماسمّاه الإصلاحات، وبقي المواطن ينتظر التنفيذ في المحاور الأساسية، ومنها محاسبة الفاسدين وإصلاح القضاء، لكن المواطن الذي تلفحه الشمس الحارقة وهو يتظاهر لم يرّ شيئاً من هذه الأساسيات يسير نحو التحقق .

وبكلمة مستعجلة مني للمواطن الكريم . . .

من المرجح أنك لن ترى ورقة لتنفيذ أساسيات الإصلاحات بأمر ديواني أو قضائي، رغم الرغبات والتمنيات التي نسمعها في التصريحات، حتى لو إحترقت الشوارع بالمتظاهرين، أو ذابت الجماهير تحت لهيب الشمس .

فالحياة في بلدي العراق تضمحل ...

ورائحة الموت فيه أقرب من أي أمل في عطر يوم جديد لحياة كريمة . . .

إضرب بيد من حديد على رؤوس الأفاعي لتقضي على السم في غدده، وتمنعه من قتل الشعب، وإلاّ ستخسر أكثر من كل الآخرين .

والله من وراء القصد

 

د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم