أقلام حرة

الحسين قيمة .. وليس قيمة*!

يبدو العنوان محيّرا بعض الشيء خصوصا لكثرة من غير العراقيين الذين سيصابون بالدهشة من معنى القيمة والقيمة، ولكن بالنسبة للعراقيين فإن العنوان يبدو مفهوما، ومع ذلك فسأحاول وقبل أن أسترسل بالمقالة أن أعود الى "العم غوغول" لأشرح معنى القيمة الأولى على أن تكون للقيمة الثانية مكانها لاحقا كونها لبّ الموضوع الذي سنتناوله من خلال المقالة هذه.

جاء في اللغة أن "قيمة الشئ هي قدره، وقيمة المتاع ثمنه. يقال: قيمة المرء ما يحسنه، وما لفلان قيمة، أي ما له ثبات ودوام على الأمر". كما ويطلق لفظ القيمة في علم الاخلاق على" ما يدل عليه لفظ الخير، بحيث تكون قيمة الفعل تابعة لما يتضمنه من خيرية. فكلما كانت المطابقة بين الفعل والصورة الغائية للخير أكمل، كانت قيمة الفعل أكبر، وتسمى الصور الغائية المرتسمة على صفحات الذهن بالقيم المثالية، وهي الأصل الذي تبنى عليه أحكام القيم، أي الأحكام الشيئية التي تأمر بالفعل أو بالترك". وللقيمة تعريفات متعددة منها " إنها كلمة متواطئة الدلالة، تختلف باختلاف موضوعاتها التي تتوزع بين القيمة اليومية المرتبطة بالوعي العادي العام المشترك، والقيمة العلمية المتعلقة بالتفكير العلمي الوضعي، والقيمة الفلسفية المرتبطة بالفعل الفلسفي وميتافيزيقاه"، أما على المستوى السلوكي فإن القيمة " هي مقياساً لضبط الأفعال الخيّرة، كالكرم والتضحية والبذل وذم الأفعال الذميمة كالأثرة والجشع والقسوة والعنف .. إلخ".

لو فتّشنا عن الحسين كقيمة وفق ما ذكرناه أعلاه فأين يمكننا أن نجده؟ هل في الخير كون أفعاله نابعة ممّا يدعو اليه من خير؟ أم قيمته من خلال الوعي الذي نملكه اليوم والذي علينا أن نقيسه فيه من خلال القيم الفلسفية لحياته وموته؟ أم من خلال قيمته السلوكية وهو يضحي من أجل مبادءه التي آمن بها لأسباب شتّى؟ أم نحدد قيمته من أحاديثه وأقواله وخصوصا تلك التي قالها وهو ينظر الى الموت زاحفا نحوه من كل جهة؟

من خلال معنى القيمة واستخداماتها فأن نظرتي الى الحسين كقيمة سلوكية وإنسانية وفلسفية ومبدئية من خلال أيمانه هو بما مات من أجله، تختلف إختلافا كليا عن نظرة البكاّئين عليه والمطّبرين والمطّيّنين وأولئك الذين يرونه ضعيفا فيبكون كالثكالى عليه وعلى آله وأصحابه؟ ونظرتي إليه هنا تتقاطع كليا مع ما يراه فيه شيعته عموما وشيعة العراق على وجه الخصوص. كوني أريد أن أرى الحسين من خلال الإمام علي وليس كشيعته الذين يريدون رؤيته من خلال بني أمية، وأريد أيضا أن أراه بعين المظلومين وليس بعين الظَلَمَة، وأتعجب بنفس الوقت أن لماذا يصر شيعته أن يروه ضعيفا فيبكونه على الدوام ويرفضون شموخه أمام عنت الحكّام فيبجّلونه!!؟ لماذا يريدون تصغير كل القيم التي جاء بها بل وقتلها من أجل مصالح دنيوية إن كانوا مؤمنين حقّا بالحسين!.

لقد خرج الحسين من الحجاز الى الكوفة بعد أن بايعته شيعة أبيه وأرسلت اليه مئات ويقال آلاف رسائل البيعة قبل أن تغدر به وتتناوشه بسيوفها. وفي مثل هذه الأيام تبكيه وتردد مقولة " يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما" فهل يعرف شيعته أن لماذا خرج الحسين الى الكوفة، وما هو الفوز العظيم؟ الفوز العظيم ليست الشهادة كما يرددّه الروزه خونيه وإن كانوا من كبار رجال الطائفة، كون الحسين قال " (وأعلموا أني لم أخرج إشرا ولا بطراً ولا مفسداً ولاظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي " وهذا يعني عدم خروجه ليقتل شهيدا مطلقا. ومن خلال صرخته هذه أريد أن اضع شيعة العراق القابلين بالظلم أمام خيارين اثنين لا أظن أنّ هناك غيرهما، هل انتم مع الحسين في صرخته، أم مع الدجل الكهنوتي الذي حوّل الحسين الى تجارة رابحة بعد تحويله "الحسين" الى أفيون ليخدّركم من أجل مصالحه؟ أو تريدون يا شيعة العراق حقّا أن تفوزوا فوزا عظيما، ففتّشوا إذن عن قيمة الحسين بل قيمه التي نادى بها وخرج من أجلها وأنظروا الى أنفسكم وواقعكم المزري لترو أين أنتم منه.

"لم أخرج مفسدا ولا ظالما" هذا ما قاله الحسين في صرخته الكربلائية تلك، وهو نفسه قال حينما إقتربت منه سيوف القوم " فان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخشون المعاد فكونوا احرارا في دنياكم"، لنجعل هاتين المقولتين مدخلا للمقالة ولنرى إن كان للحسين عند شيعة العراق المتضورين جوعا والبائسين والمسروقين بثرواتهم والعاطلين عن العمل والفاقدين للخدمات والمدارس والمستشفيات والذين أصبحوا وقودا لطائفية أحزابهم الشيعية ومؤسساتهم الدينية، أقول إن كان للحسين بنظرهم قيمة؟ وإن كانت له قيمة فأي من القيمتين هو؟

الحسين خرج مثلما صرخ وهو يقف ينتظر موته على يد شيعته العراقيين وبزعامة أمويّة ضد الفساد والظلم ولعمري فإن فساد الأحزاب الشيعية وظلمها ومن خلفها عمائمها لهو أشّد وقعا على العراق اليوم من فساد بني أمية. ولو ظهر الحسين اليوم ليرى بؤس الرعية لأستهانت عليه رماح وسيوف وسهام قاتليه ولبكى حال العراقيين ووطنهم.

إن الفساد والظلم الّذي يلف العراق اليوم بحاجة الى حسين جديد كونه "الفساد" أمّوي الهوية، إستأثر فرسانه من عمائم وساسة بالمال العام وسرقوا ونهبوا وأجاعوا الناس وباعوا الوطن. أنهم ليسو سوى طغاة، القضاء عندهم فاسد ومرتشي ولديهم العديد من أجهزة القمع وجيوش من المافيا والعصابات التي يهددون بها الأبرياء، ولكنهم والحق يقال يصلّون ويذهبون الى الحسينيات ويلطمون صدورهم ويزينون قباب علي والحسين بالذهب والفضّة!! هل عليّا والحسين بحاجة الى الذهب والفضّة!!؟

منذ أسابيع وهناك أحرارا خرجوا الى ساحات العراق متظاهرين ضد الفساد والظلم الذي أشار اليهما الحسين وخرج من أجلهما، هؤلاء المتظاهرين إن لم يكن لهم دين كما تردد زورا الكثير من عمائم الفسق الا أنهم ووفقا لصرخة الحسين أحرارا كونهم خرجوا ضد ظلم وفساد العمائم هذه وأحزابها، إذن فهم حسينيون بالمعنى المجازي كونهم رأو الحسين من خلال إضطهاد شعبهم وخراب وطنهم، وهم وإن كانوا بالآلاف لخير من الملايين التي تنظر اليه من خلال الظالم فتراه مشروع للقتل والسبي والسلب لذا تراها تقف مع السلطة "العمامة" الزور لقتله وسبي نسائه وسلبه حتّى ملابسه، والحسين المقتول والمسبي والمسلوب اليوم ، هو العراق، والقاتل هم بنو أمّية الخضراء.

أتعجب لمن يقول "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما"، ها هي ساحة التحرير وبقية ساحات التحرير أمامكم إن كنتم صادقين، ها هم الفقراء والأرامل والايتام يملئون جنبات البلاد والّذين من أجلهم قُتل علي والحسين، فلماذا إذن لاتكونوا فيها ضد لصوص الخضراء من عمائم وأفندية لتفوزوا فوزا عظيما!؟ إن لم تكونوا من شيعة الحسين فكونوا على الأقل أحرارا في دنياكم. الا تحرك فيكم دمعة يتيم وصرخة ثكلى وبكاء رجل عاجز عن إعالة أسرته شيء من الكرامة عليهم والتي قتل الحسين وهو يدافع عنها بإباء، الا تحرك فيكم ضحكات اللصوص والقتلة في الخضراء وقهقهاتهم وهم ينهبونكم ويسرقونكم شيئ من الشهامة، أدكّة موتى أنتم؟

من يعشق الحسين لايبكيه كالثكالى بل يسير على نهجه، ومن لايعرف نهج الحسين طيلة هذه القرون لليوم فالأحرى به أن يصمت كونه ليس سوى ذليلا ويعشق ثوب الذلّ. كيف، لأن هناك كاهنا يقول له دجلا، كن ذليلا وأبكي وألطم وشجّ رأسك وألهب ظهرك بالسوط وأرمي نفسك بالوحل ولا تنتقدني مهما كذّبت عليك، كوني انا الذي يمهّد لك الطريق الى الحسين، والحسين هو من يدخلك الجنّة بشفاعته! ولسان حال هذا الكاهن "المعمّم" يقول إنتبه أيها الحسيني فأنا ظل الله!! فهل الله سارق ولص كهذا المعمّم؟

إنني اليوم أرى واقعة كربلاء تعاد من جديد، ففي الخضراء هناك يزيد بن معاوية المالكي وهو يأمر بقتل العراق "الحسين"، وفي قصر من قصور الأمارة " الخضراء" أرى زياد أبن أبيه الحكيم وهو يوزع الدراهم المعدودات للعشائر كي يساهم أبنائها بقتل العراق "الحسين"، وفيها عمر بن سعد العامري على رأس ميليشيات قتل العراق "الحسين" كون لاجيش لبني أمية بعد، وعلى ميمنته شمر بن ذي الجوشن الخزعلي وعلى ميسرته الحصين بن نمير المهندس. كما أرى قادة الجيش المتأهب لقتل العراق "الحسين" مدجّجين بأسلحتهم، فها هو حرملة بن كاهن الأسدي وقيس بن الأشعث الشهرستاني وعبد الله بن زهير المعصوم و عبد الرحمن بن أبي سبرة الأعرجي و مضاير بن رهينة الأديب و كعب بن طلحة المنتفكي و عزره بن قيس علّاوي و يزيد بن ركاب النجيفي و يزيد الحرث بن رويم الصغير و عمروبن الحجّاج الهمام حمودي و حجّار بن أبجر الزهيري و الأزرق بن الحرث العطية و زجر بن قيس العلّاق و الحصين بن نمير الجبوري.

لقد كان مع هؤلاء المجرمين وهم يقتلون الحسين وآله وأصحابه ويقودون نساءه سبايا قائدا أسمه "الحر بن يزيد الرياحي" وهو الذي جعجع بالحسين حتّى كربلاء، فأنحاز بعد أن رأى الظلم الى معسكر الحسين ليقتل معه، فكم حرّا بالعراق اليوم؟ أيعقل أن الأحرار هم هذه الالاف التي تتظاهر أسبوعيا في ساحات التحرير فقط!؟ والا ترى الملايين مقتل وطنها لتخرج مع هذه الالاف ضد بنو أمية الجدد في الخضراء!؟

عودة لعنوان المقالة أقول إن الذين يتظاهرون أسبوعيا من أجل إزاحة الظلم ومحاربة الفساد يرون الحسين قيمة بمفهومه الفلسفي والانساني وحتى الديني، أمّا الملايين التي لاتعرف من الحسين الا مشروعا للإثراء وحائط مبكى فلا يرون الحسين الّا من خلال صحن "قيمة"، ولكن الكارثة هنا أن هذا الصحن غال جدا ويشتريه من يضحك على ذقونهم ساسة الاحزاب الطائفية والعمائم التي ورائها بمئات مليارات الدولارات المنهوبة من قوتهم وقوت أطفالهم طيلة حكم الطائفيين الاسود.

الحسين مجندلّ في الخضراء فأنصروه إن كنتم صادقين!!

*القيمة "طعام مطبوخ من اللحم والحمص ويقدّم مع الرز أيّام عاشوراء".

 

زكي رضا - الدنمارك

 

في المثقف اليوم