أقلام حرة

كادح من تونس الثورة

alarabi benhamadiلا تتجاوز قامته المتر و57، وزنه دون 60 كغ، أب لطفلين، أصغرهم في الروضة والثاني تجاوز العشرين بقليل، انقطع عن الدراسة، في بدايتها، لعدم قدرة والده المادية، وهو عاطل عن العمل، يقطن حيا شعبيا يبعد عن العاصمة التونسية، ما يقارب ال25 كيلومترا. فهو في تجوال مستمر بين حظائر البناء،صحبة ابنه، القليل المواظبة.

لفت نظري إخلاصه وتفانيه في العمل...بقيت مشدوها، في إحدى المرات، أمام مقدرة، هذا الخمسيني، نقل أكياس الاسمنت من الطابق الأرضي إلى غاية الطابق الثالث... فهو يشتغل، هذه الايام، لدى مقاول في البناء، صغير في إمكانياته لكن كبير في خبرته وتواضعه.

تفاجأت لما أعلمني، هذا الكادح، انه قام باقتناء منزلا بالحي المذكور، بما قيمته 21 ألف دينارا . سألته بتطفل المتعلمين: كيف تمكنت من ذلك وأنت عامل يومي لدى مقاول بناء صغير؟ ابتسم قائلا: لقد بعت منزلا أقمته بمسقط رأسي، مدينة جندوبة، التي تفصلها عن العاصمة مسافة 150كم، بما قيمته، 15 ألف دينارا، وهو ثمرة جهدي وعرقي عندما كنت تاجرا صغيرا متجولا.

واصلت تطفلي قائلا: ومن أين سددت بقية المبلغ؟ أجاب بكل هدوء وثقة في النفس: لقد كنت اعمل بالليل والنهار. كنت اجمع في الليل قوارير البلاستك وحقق البيرة المصنوعة من الألمنيوم، وأتقاضى عن الكغ الواحد على التوالي: 500مليما (قبل ان تنزل الى300مي اثر انهيار سعر النفط) و1000مي.

ثم واصل قائلا: لقد شيدت طابقا علويا، وبذلك صوغت السفلي بما قدره 150 دينارا. كنت أقوم بغالب أشغال الطابق العلوي بمفردي، تاركا الأمور المعقدة للأسطى (البناء) .. وكانت زوجتي التي تشتغل، عرضيا، وبصفة متقطعة، بمعمل للدواجن، قبل ان تتركه، فيما بعد، لتنتقل لمعمل البلاستك، طمعا في إيجاد وضعا أكثر إنسانية، كانت تمد لي يد المساعدة كلما تمكنت من الحصول على ثمر ة جهدها. كما كنت التجئ، عند الحاجة، إلى القروض الصغرى (سقفها لا يتجاوز1000 دينارا)، التي أسددها، فيما بعد، على دفعات، شهريا. وقبل ان اتركه لحاله، سألته سؤالا محرجا: هل أنت سعيد في عملك، أجابني: نعم ، هذا قدري ومصيري، فهل تريد مني أن أتحيل. ولما توجهت بنفس السؤال إلى ابنه، أجابني : نحن نحس وكأننا لا نعيش، مضيفا: حظائر البناء لا تبعد، كثيرا، عن الأشغال الشاقة، وهو جواب لم يرق لوالده.

في الأخير، وجه لي هذا الكادح، الذي يمثل شريحة كبيرة بالمجتمع التونسي، الرسالة التالية والتي قد يستفيد منها ساسة تونس: ان العبرة في رجاحة "المخ"، حسب تعبيره، و التحلي بالثقة ونظافة اليد، لا في الوزن والطول، وكأني به يرد على تطفلي، لما سألته عن طول قامته .. وبذلك. ذكرني بأنني لم أتخلص من عادة بعض المربين الذين يقضون كامل أعمارهم في مسائلة الأطفال والمراهقين

 

العربي بنحمادي

في المثقف اليوم