أقلام حرة

مِنَ المُلوك اذا حكموا دولةً أنهضوها

jawadkadom gloomكعادتي يوميا أن أمرّ شريط الاخبار واطّلع من خلال الصحافة على اهم واخر الحوادث السياسية والاقتصادية والاديبة دون ان استثني الاحداث العرَضية والعابرة مهما صغرت، وأنأى قليلا عمّا يجري من حروب ونزاعات تكاد تغطي شرقنا العربي والاسلامي المبتلي بتبادل الرصاص بين الاطراف المتخاصمة عملا بنصيحة طبيبي المعالج وانصياعا لأوامره لكني كثيرا ما ازوغ عن نصحه وتعاليمه مع اني اعرف انه يهدف الى الحرص عليّ لكن ما العمل في حالنا الخائب الملئ بالمفارقات والغرائب والاقتتال شبه الدائم ؛ هذا بينما العالم المتمدن الراقي يوزع الورود والسلام ويرفد الآخرين بالطمأنينة وراحة البال

وقد لفت نظري خبرٌ يبدو غير ذي اهمية بالنسبة لمن ألفَ الحياة المدنية المتقدمة وعاش في بحبوحة اهتمامها بالانسان واحترام مشاعره الدينية والاخلاقية واهتمّ بحاجة الانسان المادية وتوفير مستلزمات الحياة الاساسية له

الخبر العابر مازال طازجاً يقول نقلا عن " الايرو نيوز " ان السيد " فيليام الكسندر " الموظف في مملكة هولندا والمختار بصفة " ملك " والذي لايزيد عمره عن الثمان والاربعين سنة وامامه الكثير من متع الحياة والأماني الكامنة في نفسه التي ربما يريد ان يحققها ويستمتع بكل مباهج الحياة مادام في اوج رجولته وهو في ابهى عافيته ونشاطه، هذا الملك الوسيم الطلعة قد وصلته في صبيحة يوم 16/10 /2015 تعليمات حسابية من وزارة مالية دولته تشمل زيادة في مرتبه الشهري خلال الفترة الماضية وسوف تستمر الى الفترة اللاحقة وقد قدّرت الزيادة السابقة بما يزيد قليلا عن الثلاثين الف يورو ستضاف الى مرتبه الحالي ... انتهى الخبر --- تفحص الملك الورقة دون ان يعتريه ايّ فرح او ترتسم في محيّاه السعادة كعادة الناس حينما تهطل عليهم ثروة مفاجئة، سكت برهةً، تناول قلمه وكتب هامشا واضحا مفاده انه يمتنع عن استلام أية زيادة مقترحا صرف هذه المبالغ الزائدة من مرتبه في قنوات صرف اكثر جدوى واهمية ومعللا ذلك ان لديه مايكفيه لتغطية مصاريف حياته ولاحاجة له لاية علاوات او منح او حتى زيادات مشروعة في مرتّبه الشهري

انا عن نفسي اقول شعرت بالخجل والاستحياء حينما اقارن بين هذا الرجل " فيليام الكسندر " المسمّى ملكا وبين أقرانه في محيطنا المبتلي بساسة ومسؤولين جلّ اهتمامهم ان يتصيدوا ويقتنصوا اية فرصة مواتية لملء ارصدتهم سواء كانت اموالا حلالا ام حراما فلايهمّ طالما هي تزيد من ثرواتهم وتعبئ جيوبهم ؛ فما بيننا وبينهم من الرقيّ الاخلاقي والنزاهة والمروءة والاستغناء عن المزيد مسافات شاسعة قد لانصل اليها ولو بعد قرون اذا ظللنا على هذه الأوضاع في استحلال اموال الغير وغصب ثرواتهم وأخذ حقوق الضعفاء وتوسيع الفجوات بين المعوزين والميسورين ناهيك عن تضليل الناس السذّج وتعمية ابصارهم من خلال استعمال الدين تجارة رابحة تضاهي في اغداقها ووفرتها ما يجنيه تجار الحروب والسلاح والمخدرات وصناعة الكراهية والنزاعات من اجل المال والكسب غير المشروع للسلطة والثروة معاً حتى على حساب اوجاع المكدودين وموت الارواح الانسانية وجعل اجسادهم حطبا ووقودا للحرب ؛ كل ذلك من اجل اكتناز المال، والاستحواذ على النفوذ، فمن المعروف ان طالب المال وطالب العلم لايشبعان ابدا ولكن شتان بين الاثنين ويذكرني حائز العلم والمال معا بالسيد "بيل غيتس" مؤسس الشركة العملاقة "مايكروسوفت" وكم كان سخيّا عفيف النفس حينما تبرّع باكثر من نصف ثروته التي تناهز الاربعين مليارا من الدولارات للمعوزين الفقراء وللجمعيات الراعية لهؤلاء المسحوقين، اما أثرياؤنا وهم ليسوا قلّة ويعتبرون في عداد الاثرياء النادرين في العالم وفقا للقوائم التي تردنا تباعا بين فترة واخرى ؛ فلم نرَ منهم الاّ استعراض العضلات والتفاخر بثرائهم ولا ينفجر سخاؤهم الاّماندر جدا من كرمهم غير الوفير مثل ندىً خفيف الطلّ لايروي ظامئا ولايلين ارضا عطشى

الفرق بين ملكوا وتبوّؤا أعلى المناصب في محيطنا وأرضنا المفعمة بالرزايا والتخلف انهم جاؤوا لينهبوا بينما الاخرون في العالم المتمدن السامي ممن ملكوا انهم جاؤوا ليهبوا ولعمري هذا هو القول الفصل البائن بين الملاك والشيطان

 

جواد غلوم

في المثقف اليوم