أقلام حرة

رسالة إلى وزراء وكبارات الأفالان: ألا يستحق شباب الجبهة التِفاتة جادّة؟!

inas najlawiيحكى أنهم سرقوا ملاءة سرير جحا التي يدخر فيها نقوده، فادّعى إقامة وليمة على لحم ثور دعا إليها أهل المدينة قاطبة. ولما كان الجو شديد البرودة، أتى الناس ملتحفين بملاءاتهم واصطفوا على بابه، فخرج جحا يتحسس كل واحد منهم والملاءة التي يتغطى بها على وعد منه بصحن كبير من لحم الثور بعد حين. وهكذا ظل يمر عليهم ويتفقدهم حتى اهتدى إلى اللص الذي كان يتدثر بملاءة سرير جحا المسروقة، فما كان منه إلا أن نزعها عنه وقبض عليه، وبعدها توجه إلى الجمع قائلا: "الآن تستطيعون أن تنصرفوا، فإن (جحا أولى بلحم ثوره)!"

تنتهج الأحزاب السياسية في الجزائر مبدأ "جحا أولى بلحم ثوره" على اعتبار أن الأقليات تنكمش دوما وتتضامن فيما بينها، فما أن يصل إطار في الأرندي أو تاج أو الحركة الشعبية أو حمس إلى مواقع المسؤولية، حتى يأتي بعشيرته الحزبية ويحشرهم في المناصب الإدارية. أما الأغلبية الافلانية فتلقى نفسها منشطرة بين مصاعب الحياة وغلظة العيش وبين الوفاء للنضال الحزبي الذي يستلزم التضحية والمثابرة دون انتظار المقابل أو طلب العطاء.

إن المسؤولية في مبادئ الحزب العتيد لا تطلب، وإذا كلف بها المناضل لا ترفض. كما أن الحياد وعدم تسييس الإدارة من أهم مبادئ المرفق العام، وعليه فان التعيينات على أساس الانتماء الحزبي تتعارض مع قانون الوظيف العمومي وروح الدستور الذي يكفل مبدأ تساوي الفرص بين الجزائريين بلا تمييز.

وان كانت المناصب التنفيذية والإدارية تخضع لإجراءات قانونية ومسابقات وهي ليست حكرا على أبناء الجبهة، فان اللوم كل اللوم على المناصب السياسية والتي تعد من صلاحيات الوزير، وهنا وجب عليه منح الأولوية لأبناء الجبهة بحكم أن الحزب كان له الفضل في تزكيته دون غيره من الكفاءات الأخرى، وعلى هذا الوزير أو المسؤول القيام بدوره في تزكية كفاءات أخرى.

إن النهوض بالحزب وعصرنته -وهو ما شرع فيه سعداني- يتخذان من شبيبة الحزب ركيزة، كما أن شعار التشبيب والتجديد الذي أتى به في المؤتمر العاشر يفترض أن يكون أساس خطة عمل الحزب الخماسية. لكن يدا واحدة لا تصفق، وسعداني -وان كانت نواياه صادقة- لن يستطيع التقدم بالحزب ما لم تكن قيادات الجبهة وإطاراتها عقائدية بما فيه الكفاية وتؤمن تماما بثوابت الجبهة وأن تتحلى بروح المبادرة ولا تنتظر اتصالا أو مهمازا من الأمين العام حتى تلتفت إلى الشباب ومشاغل المناضلين، بل المفترض أن تبادر لوحدها و وفق قناعاتها بأحقية شباب الجبهة في التأطير الصادق وتبوء المناصب.

فأين شباب وشابات الجبهة أصحاب الشهادات والكفاءات من التعيين في الدواوين الوزارية والمديريات العامة والمناصب النوعية؟ والشكارة التي تعهدّ سعداني بتمزيقها لماذا لا يتم تخصيص جزء منها لتوفير الحياة الكريمة للمناضل بغية ترقية النضال الحزبي، وذلك بالتطوع لبناء المشاريع الخدمية على مستوى البلديات والدوائر والتكفل بترميم القسمات والمحافظات ولما لا إقامة صندوق خاص للمساهمة في تمويل المشاريع الصناعية المصغرة لشباب الجبهة؟!

لماذا لا يتم تذكر الشباب سوى في المواسم لأجل تعليق الملصقات الانتخابية؟ هل قدر شباب الجبهة ألا ينالوا من قيادات الحزب و وزراءه سوى الصور التذكارية في المناسبات؟ لماذا لا يجتهد الحزب في اقتناص الفرص والجمع بين مبادئ النضال و العملانية البراغماتية للحفاظ على الأغلبية التي يحوزها وتحسين حياتها؟!

ولا يمكن اختزال الدعوة إلى تشبيب القيادات في إيجاد وظائف عمل مناسبة، بل إن الأمر يستوجب تأهيلهم وتكوينهم سياسيا، ثم إشراكهم في تحمل القرار وتبعاته وكذا مساعدتهم على تقلد مناصب المسؤولية.

لكن مشكلة الحزب تكمن في انشغال بعض قياداته بالتموقع والحرص على تقوية النفوذ الشخصي والحفاظ على الامتيازات الفردية. كما أن التشبيب يلقى مقاومة شديدة من أولئك الذين يرفضون التخلي عن مراكز صنع القرار ولا يتقبلون اي تغيير في تركيبة وبنية المشهد.

والمشكلة الأخرى تتمثل في أن تهميش وإقصاء الشباب سياسة تنتهجها الكثير من القسمات التي تعمل على تكسير الطاقات الشابة المميزة وعدم السماح ببروزهم تحت ذريعة أنهم "ذراري صغار" وأن المسؤولية في الجزائر لا تعطى قبل بلوغ الخمسين، وكان الأحرى بهم أن يرفعوا سِيرهم الذاتية وتقارير عن نشاطاتهم إلى المحافظات ومنها إلى حيدرة لأجل التكفل الأمثل بهم.

نريد، يا معالي وزراء وكبارات الافلان، ردم الهوة بين القاعدة والقيادة وتواصلا حقيقيا بين الحرس القديم والجديد يتجاوز المجاملات والوعود الظرفية وتسجيل "الجامات" على صور المسؤولين وأعضاء المكتب السياسي والنواب. ونرجو منكم التفاتة جادة إلى شباب الجبهة وتسهيل عملية التدرج النضالي بداية من القاعدة لأجل تلاحم الأجيال وتلاقح أفكارها وآرائها والانفتاح على تشبيب الفكر وتجديده وعصرنته مع الخضوع لسلطة التكوين السياسي الحزبي واعتماد الانتقاء الموضوعي للحاق بركب العصرنة وضمان امتداد واستمرارية حزب جبهة التحرير الوطني.

 

  إيناس نجلاوي

 

في المثقف اليوم