أقلام حرة

ما الذي سيحدث غدا في عاشوراء هذا العام؟

qassim salihyمع ان العاشر من محرّم يرتبط بمناسبة دينية هي مقتل الأمام الحسين في (61 هجريه) الا ان القراءة التاريخية والسيكولوجية لها تشير الى انها استغلت او وظّفت لأغراض سياسية.

في العهد الملكي كانت استراتيجية الحكومة تقوم على استغلال المناسبة للتفريغ والتنفس. اذ كانت مواكب العزاء منتشرة في كل ارجاء العراق الشيعي، وكان (الرادود الحسيني) يضمّن قصائده غمزا او لمزا .. نقدا للحكومة والمحتل الانكليزي برغم علمه بوجود رجال أمن في مجلس التعزية. وكان عقل نوري السعيد يقوم على سيكولوجية منح عشرة ايام للمواطن المكبوت من ظلم السلطة .. ينفس فيها عن مكبوتاته في السنة!

في عهد صدام حسين، كانت الاستراتيجية بالضد تماما، اذ اعتمد سياسة منع مظاهر العزاء حتى في الأحياء الشعبية.وكان لابسو الزيتوني من الشيعة يكبّون قدور (التمن والقيمة) في الشارع.وكانت المواكب المتجهة الى كربلاء والنجف مراقبة من داخلها بعيون الحزب ومن خارجها بقوات الطواريء .. ليس فقط لأمور سياسية، بل ولأن شخصية صدام .. نرجسية لا تسمح بالنقد ابدا، وتضع نفسها فوق الجميع رافعة شعار (أنا المميز) .. الذي تحول في السياسة الى (القائد الضرورة).

في العهد الديمقراطي .. تغيرت الاستراتيجة الى اشاعة مواكب العزاء بعد ان صار على رأس السلطة شيعة من احزاب الاسلام السياسي .. يتصدرها حزب الدعوة.وحدثت المفارقة، فبعد ان كانت الحكومات في العهود السابقة لا تتبنى هذه المناسبة، فان حكومات ما بعد التغيير استغلت المناسبة لأغراض سياسية، وان كان ظاهرها دينيا.

والمتابع يجد ان استثمار او استغلال او توظيف او احياء احزاب الاسلام السياسي الشيعي لهذه المناسبة .. مرّ بمراحل .. الأولى كانت توافقية، حيث عمل كل حزب بطاقته وبـ(كرمه) دون الاحتكاك بالحزب الآخر.وفي الثانية كانت تنافسية حيث التباهي بالضيافة والكرم تحت شعار (خدمة الحسين) في الظاهر وكسب جمهور اكبر لأغراض سياسية في جوهرها، ووصلت الآن الى المرحلة الثالثة حيث التنافس العدائي بين ثلاثة احزاب رئيسة :الدعوة والمجلس الاعلى والصدريين (تيار الأحرار).

ومع ان العداء او الخصومة او الاتهامات المتبادلة بين هذه الاحزاب الثلاثة يفترض انها تباعد فيما بينها، الا ان العاشر من محرّم سيكون لها فيه موقف آخر.

ما سيحصل ان العاشر من محرّم هذا العام سيشهد جس نبض بين قوتين رئيستين وثالثة متفرجة:احزاب الاسلام السياسي المؤتلفة في التحالف الوطني الشيعي من جهة، والمتظاهرون وانصارهم، من جهة اخرى، المطالبون باجراء اصلاحات عمليه تتصدرها القضاء على الفساد ومحاكمة الفاسدين واصلاح القضاء وتأمين كرامة واحتياجات المواطن واقامة دولة مدنية حديثة .. وقوة ثالثة صامتة متفرجة تنتظر نتيجة (المنازلة).

ذلك ما سيحصل في المشهد الأول، اما المشهد الثاني فسيكون من داخل هذه القوى الثلاث.فبرغم ان احزاب الاسلام السياسي سيوحّدها المصير المشترك ضد من يهدد مصالحها، فان بينها افرادا او جماعات سينحازون بصدق الى جانب المتظاهرين ، الذين سيرفعون شعارات حسينية تنبيهية تذكيرية من قبيل: (خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدّي)، (ألا ترون أن الحق لا يعمل به)، واخرى تحذيرية من قبيل:(هيهات منّا الذلة)، وثالثة استفزازية من قبيل: (باسم الدين باكونه الحراميه).

وقد تعمد تلك الاحزاب الى الزج بافراد الى جبهة المتظاهرين تعطى لهم التعليمات بان يعملوا على احتوائها، فان لم ينجحوا .. عليهم القيام باعمال تستدعي تدخل القوى الأمنية .. ليكونوا في الأخير هم الرابحون.وعندها قد يحدث تصدع او ضعف في المتظاهرين وانصارهم، وسينحاز كثيرون من جبهة المتفرجين الى قوة (الحكومة)لأن مزاج الشخصية العراقية المتفرجة يكون مع الغالب.

نعم ستحدث (منازلة) في العاشر من محرّم (غدا السبت 24 الجاري) وقد لا تكون اكثر من جس نبض، او تمهيدا ليوم قادم سيحسمها هو مناسبة زيارة اربعينية الحسين المليونية، التي ارتفعت من عشرة ملايين زائر عام 2010 الى 17 مليون عام 2014، ولن تقل في هذا العام عن هذين الرقمين.وسيكون بين القوتين(احزاب السلطة والمتظاهرين) ثلاث جمع يتهيئون فيها ليوم (المنازلة) .. وسنرى .. فغدا لناظره قريب.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم