أقلام حرة

التأريخ يُكذّبكم أجمعين!!

التحامل على التأريخ العربي سلوك ومنهج تدميري إنطلق في القرن التاسع عشر وتواصل حتى اليوم، ومن رحمه وُلِدّت وتوالدت الأحزاب بأنواعها، وجميعها تشترك بهذا الإقتراب الذي عبث بمصير الأجيال على مدى قرنين، وخلاصته أن الأمة ماتت أو إنقطعت أو إنحرفت، عن مسيرتها الحضارية بكل ما تشمله ويرتبط بها.

فالأحزاب السياسية تريد بعث الأمة من جديد لأنها ميتة، وتلقي باللائمة على الدولة العثمانية وتحسبها السبب الأكبر في رقود الأمة وإنقطاعها الحضاري، والدينية تريد إحياء روح الأمة لتعبّر عن جوهر دينها الذي تدمر وغاب منذ وفاة النبي الكريم.

وهذا المنهج تم زرعه وتوظيفه بنجاح متواصل في وعي الأمة الجمعي، فحولها إلى وجود يحترق بنيران ما فيه ويحتويه.

فماذا صنعت الأحزاب التي تدّعي بأن الأمة ميتة أو منقطعة وراكدة وبعيدة عن دورها الحضاري؟

ماذا أحيت في ربوع الأمة وماذا أنجزت؟

تأملوا إنجازاتها الماجدة وحصاد نضالاتها وجهاداتها التي تريد أن تحيّ الأمة!!

فما قدمت سوى القتل والثبور، فعبثت وما بعثت، وأماتت وما أحيت، وخربت وما عمّرت، ودمرت القيم والأخلاق والمعايير والتقاليد فأوجعت، وأمعنت في تعويق الأمة وحرمانها من المواكبة والمعاصرة وما توقفت.

ولا نزال نسمع ذات الإسطوانة المشروحة، التي ينطق بها ذوي العاهات الفكرية والنفسية من الذين يضعون على رؤوسهم العمائم والتيجان، وعلى أكتافهم وصدورهم النجوم والنياشين.

لقد إنطلت اللغبة على العرب، وتأكدت نتائجها في خيبتهم الكبرى عام 1916، وحصل ما حصل لهم بعد ذلك فتحوّلوا إلى أقطار تناهض بعضها، وتدمر ما يشير إليها، وعلى مدى قرن كامل فشل العرب في الإتحاد والتفاعل المشترك، بل صاروا في معترك.

وما اتعظ العرب!!

وما خجلوا من أنفسكم وبهتان تفكيركم، وضلالات تصوراتكم العليلة، وما تنبهوا واستفاقوا من سلوك الخسران !!

إن التأريخ أصدق منكم أجمعين، وأشرف وأعز وأرقى وأبهى، فأنتم قتلة التأريخ، والتأريخ تاج وجودكم وعنوان هويتكم، وصرح ذاتكم التي تهدمونها بغيكم وتبعيتكم وبسلوك " المَضحكة" الذي تجسدونه بإخلاص وفقا لإرادة الآخرين.

لا عيب في التأريخ العربي، وإنما العيب فيكم، فالتأريخ سجل مسيرات أجيال وتفاعلات عقول ونفوس وفيه من كل ما في حياة البشر، ولا يمكنكم أن تنتقوا منه ما يعزز عاهاتكم، وما يُحشى في أدمغتكم ونفوسكم من آليات ضرورية لتحقيق مصالح الطامع فيكم.

فلا توجد أمة تتحامل على تأريخها مثل العرب، وتأريخها أنصع وأسمى من تأريخ العديد من الأمم، التي تتفاخر بتأريخها بكل ما فيه وهو لا يرقى إلى تأريخ العرب!!

التأريخ العربي ساطع منير رغم أنوف المغرر بهم، والمصنعين في مختبرات الإحتلال الفكري المبرمج، الذي يحوّل البشر إلى آلات تعادي ذاتها وموضوعها وتمحق هويتها!!

ولتخجل الأقلام وتستحي مما تكتبه بمداد الكراهية والحقد والعدوان على التأريخ العربي، وعلى الجميع أن يتحلى بالموضوعية والعلمية ويترك الدراسات التأريخية لأهلها، لا لمناهج التأجيج والترويج لأفكار الهجيج!!

فالأمة لم تنقطع ولم تمت، وإنما تواصلت أطول من غيرها ومرّت بمراحل لا بد منها كأية أمة عبر العصور، وهي لا يمكنها أن تعارض قوانين التأريخ وحتمياته، ومآلات الحضارات وصيروراتها، وتلك سنة كونية تنطبق على الموجودات الأرضية وغيرها في ربوع الأكوان.

فهل جُنّ العرب، وما جُنّ أبوك يا إبن الفراهيدي؟!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم