أقلام حرة

أبجد هوّز...!!

تعرفون "أبجد هوز حطي كلمن .." التي لا نعلم مَن الذي تمكن من جمع حروف العربية بها، لتأتي بلا معنى وبقليل من الوزن، لكنها تساهم في حفظ أحرفها الثمانية والعشرين.

وبهذه الصورة تبدو تفاعلاتنا وما يتحقق في واقعنا الصاخب المتعثر بأبجديات ذاته وموضوعه.

فأصبحنا مجاميعَ وفئات منشغلة بتسمياتها التدميرية، التي حولتها إلى موجودات ضعيفة، ومُمْتَلكة من قبل الآخرين، الذين سخروها لتحقيق المطلوب إثباته، بعد أن قدمت لهم البرهان مسبقا، فوفرت عليهم الجهد والإجتهاد.

فصرنا نتسمى، بائيون وتائيون وثائيون وحائيون وخائيون وجيميون، .. وسينيون وشينيون وعينيون وغائيون و .. ميميون ونونيون وهائيون وواويون ويائيون.

وما يجمع هذه التسميات ويستوعبها، تسمية "الواويون"، من "الواوي" أي "الحصيني" أو الثعلب أو إبن آوى.

فجميع التسميات تتخلق بأخلاق هذا الحيوان المعروف بمكره وألاعيبه وأكاذيبه وخداعه، ولا يهمه إلا كيف يملأ بطنه، ويقتل ضحيته ويدفنها إذا كان شبعانا، وما أكثر قصصه وحيله خصوصا عندما يكون في حضرة الكبار من سادة الغابة، كما تروي لنا أساطير خيال البشر، لتشير إلى سلوكنا بالرمز والمثال.

والمشكلة التي تواجه هذه التسميات أنها مغفلة ومحشوة في ترس يزداد سمكا، فيمنعها من التواصل وبناء الحياة اللازمة للحفاظ عليها جميعا، ذلك أنها تتناسى بأن الأحرف لابد لها أن تتصل بدنيا وصوتيا مع بعضها لبناء الكلمة والعبارة، وأن تكون على سطر يحتويها وفي كتاب يحفظها.

وكتاب أية أبجدية هو الوطن، وكن ما شئت ورأيت، فهذا لا يعني شيئا، بقدر ما تعنيه الكيفية التي تتعامل بها وتتواصل مع الآخرين في سطور الكتاب، الجامع الضامن المحافظ على قيمة ما فيه من العبارات والمفردات والأساطير الإنسانية.

تَسمّى بأي حرف تشاء، ولكن لايمكنك أن تكون حَرْفي الطباع والمزاج، فتقتل عقلك بحرفك الذي تسميت به، وتوهمت بأن اللغة حرف واحد، وصوت واحد وحسب!!

إن مثل هذا الإندحار هو الذي يتسبب في صناعة التداعيات وتحقيق الويلات، وسرقة السعادة والبهجة، ويؤدي إلا تجريد الآخرين من إنسانيتهم وحقوقهم وبشريتهم، فيتم الإنقضاض عليهم بقسوة ووحشية وإرادة محق وإهلاك فاحش.

وعندما تدخل المسميات في حالة التمترس والدفاعية، وتخوض غمار التحديات والمواجهات السلبية، فأنها تسلك طريق الإتلاف والهلاك الأكيد.

فلا عيب في التسمي، ولكن في أن نجهل بأن هناك مسميات ومسميات، وأن الضوء الذي يرينا كل شيئ، هو حزمة ألوان متعددة متفاعلة بأمواجها المختفلة، لتمنحنا جمال المنظر وبهاء الوجود وفيض الشعور بالحياة!!

فهل سنتخلص من "الواوي" الذي فينا لكي نعرف الحرية والديمقراطية؟!!

 

د-صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم