أقلام حرة

الإجهاض العربي!!

أمة العرب عالية الإخصاب، وما أن تتخصب بيوضها في رحمها الحضاري حتى تعجز عن الإنجاب الطبيعي أو القيصري، ذلك أنها تحت طواحين الإجهاض، فكل حِملٍ يُجهض بقدراتها الذاتية وإرادة الطامعين بنكاحها وإنجابها ما يريدون.

فكل تجربة عربية مصيرها الإجهاض، أو الولادة المبكرة التي تحتاج لحاضنات حضارية غير متوفرة في بلاد العرب أوطاني، ولهذا تلفظ أنفاسها وتدوسها سنابك الويلات والتداعيات القاهرة.

فالأمة إستيقظت منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر، وكان عليها أن تكون سبّاقة ورائدة في ميادين المعارف والعلوم، وتصبح ينبوعا دفاقا للإنتاج الفكري والعلمي، لكن تجربتها اليقظوية الإستنهاضية أُجْهِضت عن بكرة أبيها، وتبعثر روّادها وانهزموا فتحققت بهزيمتهم مأساة أجيال متعاقبة على بساط اليأس والقنوط والإنكسارات.

ويبدو أن الحرب العالمية الأولى كان لها تأثير يوازي تأثير سقوط بغداد عام 1258 ميلادية، حيث إنمحقت خطوات التواصل الحضاري الكبرى، وجفت منابع الأفكار والعلوم والإبداعات العربية الأصيلة.

فالأمة ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتى اليوم، وعلى مدى قرن ثقيل من الصعوبات والقاسيات، تحولت إلى ركام من النكبات والإنتكاسات، والإنكسارات الحضارية المفضية إلى مجهول هائل الخسران.

أمة بلا تقاليد حضارية ذات قيمة تراكمية تواصلية فعالة، تساهم بإنتاج العلم والفكر، وإنما إرتضت أن تكون عالة تستورد وتستنسخ من غيرها، ما لا يعرفها ولا تعرفه من الحالات القائمة في مجتمعات أخرى.

كما أنها تمتلك طاقة عدوانية غريبة ضد وجودها الجوهري وصيرورتها الأصيلة، مما يدفعها لمحاربة عقولها وتشريدهم، وحضانة الجهلاء والذين بلا قدرة عقلية ونفسية على وعي ذات الأمة ومنطلقاتها الإنسانية السامية.

وتعيش تخلفا نفسيا مروعا أوقعها في متاهات وإنحدارات وتعثرات تزداد يوما بعد يوم، وهي في محنة التلظي على حطام ذاتها وموضوعها.

وأصابها الركود وأكثر، ذلك أنها أخذت تسير القهقري، وتمعن في تدحرجها في ظلمات الغابرات، وتحسب أنها ذات قدرة على التفاعل مع الذي فات وما مات.

ولهذا فأن الأمة عليها أن تصحوَ من رقدتها أو غفلتها، وتؤمن بضرورات المسيرة العلمية المتواصلة مع الأجيال، والقادرة على صناعة التراكم الحضاري اللازم للإنطلاق في آفاق حضارية، ذات إمتدادات مطلقة وخلاقة في ميادين الحاضر والمستقبل.

فهل ستؤمن الأمة بنفسها وعقلها، ولا تُجهض حِملها؟!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم