أقلام حرة

‏‫ التمييز العنصر المحرك للشعوب

الشعوبية التي هل هلالها في العصر الأموي كان سببه الإحساس بالنقص في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقصاء من السيادة وردهم إلى اصحاب مهن إذ كانت لا تحبذ المهنة عند العرب مالم يكن الإنسان خبيراً بالقصص ومتفنناً بالكلام والشعر والقتال لاسيما فنون الحرب. فبرز التمييز آنذاك بأتجاه كل من لا ينتمي إلى العروبة وبالأخص قريشاً وظل اصحاب القرار السياسي وصناعه يتمتعون بالحق الفيتو لمن لا يرقبون به في الحياة.

فبدأت الشعوبية تتشكل، وبزغ فجرها بشعار اقتبسوه من كتاب الله كما ذكر كريم الجاف (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليماً) رد فعل بما قامت به الدولة بكادرها الحكومي، ليجيشوا الشعوب التي كانت تخضع للدولة الأموية بغضا بما عانوه من تمييز وعنصرية واقصاء من قيادة الجيش والأشتراك بمجالس الدولة وحتى إذا كان أحد العرب حاضراً لم يتجرأ غير العربي أن يؤم المصلين. وبهذه الآية التي اتخذوها درعاً لهم واختفوا خلفها فعلاً تعاونوا مع العلويين والعباسيين واسقطوا الدولة الأموية.

فاليوم على الدول المتبقية التي لم يمسها لهيب نيران الثورات عليها أن تعي تماماً، إن التمييز يخلق أناساً تكشر أنياباً وأفكاراً ثورية سببها عدم اشتراكها في الحياة السياسية والمدنية وربما يولد من رحمها بطوناً خاوية جوعاً ونفوساً نُفست إليها زفراً وعيوناً حاقدة نُظرت إليها حقداً وعقولاً نيرة تحشد ضدها انداداً. وهذا المعسكر الصارم الذي يستقي قوته من عدم احتواء الدولة، كالأنياب والأفكار والنفوس والعيون والعقول، لدي الإنسان يبدأ بتحديد حدوده الجغرافيا التي تفصل بينه وبين الدولة ويحشد جيشاً قوياً من طائفته وقوة خارقة التي سببها ممارسة التمييز المستقاة من السلطات العليا ضده، ليحشد ما حوله ويكوّن قوة تبتلي الدولة المستبدة بضعفها. ولذلك كل ما تحاول قمعها وتُريد أن تضعفها تزداد القوة شراسة ضدها. وبالتالي التمييز العنصري يصبح للدولة كالمشيب الذي يظهر على الإنسان الهرم والمرض الخبيث الذي يصيبه ويعجز عن علاجه الأطباء حتى يميته. فإذن من مصلحتها ترقية العلم الحديث في مناهجها الدراسية وتحرير الشعوب من السلوك القبلي وليس القبيلة كي يدخلوا ميدان حياة المدنية والتعويل على من يتلقون العلم من كل أطياف الشعب ليصبحوا أصحاب كفاءات، ولذا إشراكهم في العملية السياسية دون العمل العنصري والحكم المستبد الذي يجيش الشعوب ومن حوله عليها. بدل منهج التمييز الذي يجيش الشعوب ويحرك عما في داخلهم ليثورا لأن تعم الفوضى حتى تتاح الفرصة لظهور داعش وغيرها من الجماعات المتشددة في البلاد التي في غنى عنها.

 

مهدي الياسري

في المثقف اليوم