أقلام حرة

الجامعة المغربية قنبلة موقوتة

elmrazik almustafaمن منا لا يطرح مع بداية كل أيلول، سبتمبر، الأسئلة الرباعية التالية:

لماذا ومن نكوّن؟ هل لا بد من إسمنت موحد للمعرفة؟ وكيف يمكن تكوين طلابنا في المغرب؟ وأي جامعة مغربية نريد؟

إن الأوضاع التي أصبحت عليها الجامعة المغربية باتت تسائلنا جميعا. ونظرا لأن المطالبة بإصلاح ثوري صار مطلبا حيويا وضرورة مستعجلة، واعتبارا لكون إصلاح التعليم العالي تقتضيه المصلحة العليا للوطن لما تحمله الجامعة المغربية من طموح تربوي وتكويني وتنموي واجتماعي وبشري، وبما أن الأرضية الإصلاحية الأساسية لأي مشروع تتطلب وجها مغايرا وبديلا للاختيارات اللاشعبية واللاديمراطية التي ألفناها، فإن الأسئلة الحقيقية والمسؤولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه هو عدم تبضيع التعليم العالي، لأن الهدف الأسمى من التكوين هو أن يجعل من كل واحد منا ما هو عليه، ويمكنه من أن يكون عاقلا، ناضجا ومسؤولا.

و إيمانا منا بدور الجامعة في المجتمع، ونظرا للوضعية الكارثية التي تعيشها مؤسسات التعليم العالي في العديد من المجالات، سواء تلك المتعلقة بالسياسات التعليمية المنهجية أو على مستوى البنيات الأساسية للاستقبال والتكوين، فإن الحق في الولوج إلى التراث المعرفي والفكر النقدي وبناء الشخصية العلمية المغربية الباحثة والمعتمدة على التفكير والتدبير، لا يمكن أن يتحقق في ظل الاكتظاظ وفي ظل الفقر المدقع على مستوى البنيات التعليمية والثقافية والرياضة والاجتماعية داخل الجامعة.

فعلى سبيل المثال، إن ما تعيشه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس من خصاص، يجعل المساهمة في تلبية المتطلبات الضرورية لطلبتنا شيء من الصعب تحقيقه، خاصة إذا علمنا أن الطاقة الإستعابية العامة للكلية لا تتعدى 6000 طالب، في حين يوجد بذات الكلية 15000 طالب مسجل يدرسهم 163 أستاذ فقط.

بعبارة أخرى، إن واقع كلية الآداب بمكناس هو نفس الوضع على الصعيد الوطني، خاصة بالنسبة للجامعات ذات الاستقطاب المفتوح، وهذا يهدد كل أنواع التكوينات القصيرة منها والطويلة، العامة أو التكنولوجية أو المهنية التي تفترض تصورا واجتهادا للبحث العلمي.

و من وجهة نظر أخرى، وبنسب متفاوتة بالطبع، تكشف نتائج العديد من الدراسات أن النظام التربوي ومناهج التدريس في الجامعة أن الجامعة المغربية اليوم مصدرا أساسيا لتمويل الامساواة ومشتلا للفقراء وأبناء السبيل.

كثيرا ما اعتبرت الجامعة فضاء لأبناء المحظوظين الذين استطاعوا مواصلة تعليمهم العالي، لكن ماي 1968 وصل صداه من فرنسا في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، وحوّل الجامعة المغربية إلى فضاء من الإبداع العلمي والتربوي والتقني، وإلى مشتل من الفكر النقدي ومنبعا للحركات الاجتماعيةو للآراء والمواقف حول تطور المجتمع المغربي في علاقته بالمشاكل السياسية والاجتماعية والثقافية.

و اليوم، أصبحت الجامعة المغربية معزولة عن النسيج الإجتماعي والاقتصادي، وعائقا في وجه التقدم والتطور ومواكبة الحياة.

إن بناء الإنسان الجديد الحر القادر على تحمل المسؤولية وعلى كسب رهان عصر العلم والتكنولوجيا والتقدم الحضاري، لن يولد إلا إذا تمكن كل واحد منا من مفتاح العلم والمعرفة والتكوين مدى الحياة.

الجامعة اليوم قنبلة موقوتة، تعيش من دون هوية في زمن المعرفة بامتياز. كما أن التعليم العالي لم يعد اليوم قضية حكومية أو وزارية، بل قضية مجتمع وضرورة وطنية تستدعي إصلاح الهياكل والنظام التربوي والبحث العلمي في إطار الجامعة العمومية ومبدأ الاستقلالية والديمقراطية.

و إذا سلمنا بهذا الواقع، وتركنا الوضع على ما هو عليه، فسنؤدي الثمن باهظا وسنعصف بمستقبل الوطن وسنظل طريق الثورة الإجتماعية.

 

المريزق المصطفى

 

في المثقف اليوم