أقلام حرة

هل أن عناد الرئيس اوباما في دفاعه عن استراتيجيته تجاه داعش سيدفع ثمنه الشعب الامريكي؟!

استمعت بالامس الاثنين16 تشرين الثاني، 15، الى خطاب الرئيس اوباما الذي القاه في قمة ، في الاناضول – تركيا، وسرني كثيرا موقف الاعلام الامريكي العادل بالذات وهو يتصدى للرئيس G20ال

"وسلقه" على نار حامية أحرجته كثيرا. فلقد كانت الاسئلة الكثيرة التي تسائلتها اجهزة الاعلام الامريكية والعالمية عن اسباب عدم مشاركة الولايات المتحدة جديا بالقضاء على داعش، دليلا على الهاجس الكبير الذي يعتري حياة العالم ازاء ارهاب داعش . ولكن جواب الرئيس الوحيد كان يؤكد فقط على ان"استراتيجيته في محاربة داعش باقية وسوف لن تتغير". وحين سأله احد مراسلي البيت الابيض والمرافق للرئيس، السؤالي التالي :

"اننا نعلم ان الولايات المتحدة تمتلك اقوى جيش في العالم، فلماذ لا تأمرون هذا الجيش للقضاء على هؤلاء "اولاد القح....ة" داعش؟"

كان جواب الرئيس اوباما للصحفي الامريكي كما يلي:

"لقد أجبت توا على الاسئلة الثلاثة الاخيرة بنفس الاجابة لسؤالك الذي سألته الان، فلا تغيير في استراتيجية الولايات المتحدة في محاربة داعش من خلال: (1) "استمرار المشاركة مع التحالف في ضرب داعش جوا و (2) " استمرار ارسال خبراء عسكريين للتدريب في العراق وسوريا" !!!.  

ومع ان خطاب الرئيس اوباما لم يكن سوى "دفاعا" عن استراتيجيته ضد داعش، حيث أكد أنه لا يزال مصرا في استمرار استراتيجيته الانتقائية الهدامة تلك والتي قادت الى قتل مئات الالوف وهجرت الملايين من الشعبين العراقي والسوري، والتي جلبت الخراب والدمارأخيرا للشعب الفرنسي فهو الاخر أصبح ضحية لها أيضا، وحيث لا يزال يقف ضد هذه الاستراتيجية الكثيرمن المحللين والسياسيين والاستراتيجيين في الولايات المتحدة، كل ذلك يدفعنا للتساؤل عما يجري بالضبط في ذهن الرئيس اوباما وهو الذي يدرك انها استراتيجية فاشلة تهدد الشعب الامريكي نفسه لعدم جدواها لحمايته وشعوب العالم أيضا من ارهاب داعش.

أن الواقع المدمر الذي يعيشه العالم اجمع تحت تهديدات داعش الارهابية، لا يسمح لرئيس دولة عظمى يفترض انه يمتلك حرصا استثنائيا على مصير هذه البشرية المتعبة، فيمضي سادرا في غيه، فيغالط هكذا او ان يتوقع من الاعلام الامريكي الحر مجاملته، أو أن الشرفاء في الولايات المتحدة والعالم، أن يصموا الاذان او يديروا وجوههم نحو الناحية الاخرى، وخصوصا عندما يجدون الرئيس اوباما غير مبالي . فالجرح لا يؤلم سوى صاحبه، وأن ما يمكن اقتناصه من ما يدور بخلد السيد الرئيس اوباما، وهو مستمر في الاحتفاء بهذه الاستراتيجية التي أثبتت انها تقوم على اسداء خدمات من اجل تمدد واستقواء داعش، هذا العدو المجنون المستهتر، أن علينا رفض مواقف الرئيس هذه وستراتيجيته السلبية الفاشلة . ونضطر لإسماعه ما لا يحب ان يسمعه من غضب شعوب العالم والتي تنظر الى الولايات المتحدة، مع انها قوة عظمى، لكنها تتهاون في حماية شعوب الارض من مجموعات ارهابية، غرست بذورها الادارة الامريكية نفسها، وصنعت منها وحشا مسعورا. فكيف يمكن ان نجد ان الادارة الامريكية هذه "لا تعبئ " بالاضرار الهائلة في الحياة العراقية والسورية والفرنسية، مع التوقع أن كثيرا من شعوب امنة اخرى، ان يضربها ارهاب داعش، وأن السحرسوف ينقلب على الساحر عاجلا او أجلا؟؟!!.

والسؤال هنا هو لماذا يشعر الرئيس اوباما "بالاطمئنان" هكذا لداعش بحيث نجده لا يتعامل معها بالقسوة والحزم الذي تستحقه كمنظمة ارهابية تهدد العالم في القضاء عليه وانشاء دولتها المزيفة؟ فالحقيقة ان الكثير من الامريكيين يعتقدون أن الرئيس اوباما ربما يتوهم أن داعش "مطمأنة" للادارة الامريكية من خلال عدم استخدامها وسائلا أعظم فتكا بها لفنائها، ولكن، داعش التي لا تبالي لا لامريكا ولا لغيرها، سارعت في يوم أمس، بالتهديد لضرب العاصمة واشنطون!! كما وان استمرار "العلاقة" مع داعش والتي لا تزال الادارة الامريكية متهمة بها وفي تقوية نفوذها في العراق وفقا لوثائق عراقية وصور ووقائع اعلنت عنها القوات العراقية والحشد الشعبي في الماضي القريب، والتي تثبت ان الادارة الامريكية كانت تقوم بأمدادات داعش بالسلاح والعتاد والاغذية من خلال انزال تلك المساعدات بطائرات امريكية في مواقع لهم يسيطرون عليها في الانبار وصلاح الدين، فان الرئيس اوباما من خلال تلك الوثائق قد أنهى كل علاقة صداقة يرتجى لها مع الشعب العراقي.

من جانب أخر، ما الذي يجعل الرئيس اوباما يعتقد أن الشعب الأمريكي الان في (أمان) من ارهاب داعش عندما نجد ان الاستفتاءات تؤكد ان %70 من الشعب الامريكي يرفض استراتيجية الرئيس اوباما في محاربة داعش ويصرعلى تمددها واستخدام ارهابها ضد شعوب العالم .(اخبار وتحليلات فوكس نيوزالامريكية - الاحداث الفرنسية – تشرين ثان 17، 15) .

فهل أن تباطئ الادارة الامريكية وعدم جديتها في حربها ضد داعش، هي الاستراتيجية التي تتبناها لاستمرار هيمنتها على الانظمة التي تصر على فرض حرياتها ووحدة اراضيها ورفض هيمنة الولايات المتحدة عليها؟

فمن بين الوقائع التي سوف لن ينساها العراقيون أبدا أن القوات العراقية والحشد الشعبي قد رصدت في الماضي القريب طائرات عسكرية أمريكية تقوم بتقديم معدات عسكرية تدور حولها الشهبات في المناطق التي يسيطر عليها مسلحوا داعش في الانبار وصلاح الدين . وفي غضون ذلك، أكدت "لجنة الدفاع عن الأمن البرلمانية" يوم الثلاثاء 17 شباط،2015، هبوط طائرات أمريكية في بعض مناطق العراق، وخصوصا في مناطق الانبار وبيجي والتي هي تحت سيطرة داعش، مما اضطر معه المسؤولون العسكريون في تلك المناطق المذكورة لعرض الموضوع وبشكل عاجل على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، القائد العام للقوات المسلحة، الذي دعى إلى عقد اجتماع عاجل مع الولايات المتحدة من خلال القائد المشرف على طائرات التحالف لاتخاذ إجراءات فورية لوقف تقديم الدعم لارهابي داعش.

أن السياسة التي تتبعها ادارة الرئيس اوباما، وخصوصا في الفترة الثانية من اعادة انتخابه كرئيس، قد اتسمت بجعل العالم يدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية غير جادة في قتال داعش . ففي خلال خطاب الرئيس اوباما اعلاه نفسه، وجدنا الرئيس يضرب مثلا عمليا، حيث قال: (أن المشكلة مع داعش هي حينما تكون هناك مجموعات من الناس تستطيع تدمير مجموعات اخرى، ليس لانها تمتلك اسلحة متطورة، ولكنها تعتمد ايديولوجيتها واستعدادها للموت)...

فان كان فهم الرئيس اوباما للواقع بهذا الشكل الواقعي، فلماذا لا يبادر الرئيس الى تغيير استراتيجيته الفاشلة هذه وتبنى اخرى أكثر فاعلية وبمستوى استعداد داعش للموت من اجل تهديم العالم، حتى لا يتهم الرئيس بمساهماته في تحقيق اماني داعش . فالقضاء عليها وفنائها النهائي الذي تبحث عنه من خلال استعدادها للموت، سيريح العالم منها بدلا من بقائها لمزيد من القتل وتدمير الحياة؟  

لقد اهملت الولايات المتخدة مهماتها الكبرى كراعية ومدافع اساسي عن الديمقراطيات في العالم ونهضة الشعوب المستضعفة. بل ان مواقفها السلبية التي تبنتها اليوم تثبت عكس ما هو مأمول منها في وقت نجد فيه عنوانا عريضا لما يسمى ب"المعاهدة الاستراتيجية" بين العراق والولايات المتحدة والتي تلزم الولايات المتحدة حماية العراق وشعبه من مصادر فناء كهذا. فالحريات والديمقراطية الرصينة التي وفرها الدستور الامريكي بأرقى صورها من اجل الشعب الامريكي، يبدوا انها قد هانت على هذه الادارة وعلى التي سبقتها، حتى اصبح تركيز ادارتي بوش الابن واوباما، على السياسات الخارجية والمصالح الامريكية فقط، وعلى حساب التفريط برعاية الشعب الامريكي الذي يعاني اليوم من الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية واحداث العنف. فسياسات الرئيس اوباما ومن قبله الرئيس بوش الابن، قد أخلت بتوازنات المجتمع الامريكي واثارت غضب الشعب لانها تخلوا من النضج والحكمة التي تعامل بها الرؤساء الامريكيون سابقا مع الشعب الامريكي والتي كانت تركز في اولوياتها، على رفاهية الشعب ودعم الديمقراطية، وادامة رصانة الجامعات والمؤسسات العلمية والالتزام بفرض المسؤوليات في تطبيق العدالة وحماية شعوب الارض المستضعفة. هذه المسؤولية التي بدأت بالتراجع تتجلى أدوارها اليوم وللاسف، من خلال محاولة ادارة الرئيس اوباما في تدخلاتها في الشأن العراقي ومحاولات تقسيم العراق وعدم الكف عن تمزيق المجتمع العراقي طائفيا وعرقيا، والتهاون والبطئ في محاربة داعش بجدية .

فهل سينتبه الرئيس اوباما الى ما يغضب الشعب الامريكي اليوم بشكل خاص وعدم تفكير ادارته بمسؤولياتها الكبرى تجاه شعبه، وتجاه شعوبا عريقة قد جار عليها الزمان، كالشعب العراقي؟؟؟!!!

حماك الله يا عراقنا السامق...

 

أ . د . حسين حامد حسين

.................................

بعض الكتب والمقالات الجديرة بالقراءة:

1- MIKE WHITNEY: “It’s all for Israel”, COUNTER PUNCH, JUNE 20, 2014.

2- Donald J. Trump: “Crippled America”: How to Make America Great, November 3, 2015. Amazon.com.

3 - Peggy Noonan: “The Time of Our Lives”: Collected Writings, November 3, 2015. Amazon.com.

4 - Jeffrey St. Clair: “Hopeless: Barack Obama and the Politics of Illusion”, May 15, 2012. Amazon.com.

 

 

 

في المثقف اليوم