أقلام حرة

مثلما في زمان عرب

shaweqi moslmaniأحدهم يدّعي الأمميّة وهو متربّع بأحضان الإمبرياليتين العدوّتين للشعب العربي قديماً وحديثاً، والراعيتين الشرستين للكيان الصهيوني الغاشم على أرض فلسطين العربيّة والقدس مركز الثقل للأديان الإبراهيميّة الثلاث، وهاتان الإمبرياليتان هما الولايات المتّحدة الأميركيّة وفرنسا وبريطانيا الأوروبيتين. ويحدّثك عن القوميّة العربيّة وهو لا يتحرّك إلاّ بوحي جماعة الكاز والغاز والرجعيّة ومدن الملح التي منذ كانت وهي تحيك المؤامرات ضدّ إرادة الشعب العربي في التوحّد والتكامل والسيادة الحقيقيّة على أرضه وثرواته ومستقبله، ولطالما موّلت ذاتها في أوروبّا حملات إنتخابيّة لصالح قوى يمينيّة. وأكثر من ذلك يحدّثك عن الوطنيّة، وليس على لسانه سوى هذا "سنّي" وذاك "شيعي" أو "درزي" أو "علوي" وذيّاك "ماروني" أو "كاثوليكي" أو "أرثوذكسي".. وإلخ. أخيراً، ويا للقرف، يحدّثك عن اليسار وهو عند أرباب الدولار في "درّة الشرق" قديماً: بيروت.

***

أنا أنت الآخر، والمسألة بأبسط تعريف، ولو هو طريف، هي مسألة "بيض دجاج". بالتفقيس نحصل على صيصان ستغدو عمّا قريب دجاجاً، وتكون هذه دجاجة من نوع "سلكي" وهذه دجاجة من نوع "أيزابراون" وهذه دجاجة من نوع "أوسترولوب" أو من نوع "وايت لاغن" مثالاً لا حصراً، ويمكن لكلّ هذه الدجاجات أن تتعايش في مساحة معيّنة. وهكذا فإسمك هو "محمود" لأنّك ولدت في أسرة إسلاميّة، وهو أنت الآخر، يجب أن تتذكّر، ولو أنّك ولدت في أسرة مسيحيّة ربّما كان اسمك سيكون "جون". ومحمود هو إسم جميل. وجون هو إسم جميل أيضاً. أنت جميل وهو جميل. تلك الدجاجة من نوع "أوسترولوب" وتلك من نوع "أيزابراون" فما هي المشكلة؟. الكلّ على ما هو عليه جميل يا صديقي، غير أنّ الإنسان يأبى إلاّ التصنيف التكفيري، هذا ينبذ ذاك، وذاك يقتل ذيّاك، وهنا واحدة من أكبر مشكلات بعض من يدّعي أنّه الحلّ.  

***

رجل دين يدّعي أنّ مثقّفاً ما يناصبه العداء.. وقد كانا في زمان مضى صديقين حميمين في سجن سجّان ظالم لا يعترف إلاّ بذاته.. فهو فوق الناس، وفوق أي مساءلة. ولأنّي أكره الظلم، قلت بالتحرّي. وكانت الخلاصة أنّ السجّان انكسر، وأنّ السجينين تحرّرا. وساد في البلاد حكم باسم الدين قلْ: "أوّل ما شطح.. نطح". أصدر أمراً بكلّ مثقّف يعترضه أن يُقتَل. وحري بالمثقّف أن يعارض حتى أسنانه، فالمسألة فيها قتل. أمّا زميله في السجن السابق فلم يوافق وحسب بل أبدى حماسة. وبعدُ.. فالسجّان لم ينكسر، والمسألة لم تتجاوز "مكر التاريخ" وإذا شئت، ودائماً تجاوزاً، "خدعة بصريّة". أيضاً لم نستوعب الدرس، ولا يزال هذا الخراب.

***

هما إثنان، واحد يدّعي العلمانيّة وآخر يدّعي الدين، وهما بالأصل أخوان،   ولكن متخاصمان بالإتجاه. ينكسر الأوّل شرّ انكسار أمام عدوّ مفترض للأخوين معاً، ولكن بعدُ فيه روح، وبعدُ قادر على الوقوف. يبعث رسالة إلى أخيه يناشده العون، ويذكر له متملّقاً أنّه انكسر لحكمة في السماء، ويجب أن "نصبر" هكذا بلغة الجمع، كأنّ أخاه لم يساهم بانكساره أو لم يفرح لانكساره. ويضيف في الرسالة "أن الله معنا" ولعلّ المقبل من الأيّام "يأتينا بنصر من عنده". والحقّ أن الثاني وجد في الرسالة عذراً لخيانته، وترفعه من غرقه. وفهم أنّ أخاه الذي يرمي له طوق نجاة، ذاته أيضاً بحاجة إلى طوق نجاة، ولربّما ملحّاً أكثر. وافاه الجميل، ولكن بمكر. طالبه في رسالة جوابيّة أن يؤكّد "إيمانه" بالإفساح لجماعته، وأن يبتني لإلهه بيوتاً أكثر. ويذعن صاغراً. ثمّ يطالبه بتركيب لحية مثله يصدق فيها قول الشاعر: "ليت اللحى كانت حشيشاً \ لترعاها خيول المسلمين". وبلحية الثاني تقع رقبة الأوّل تحت المقصلة، مثلما في زمان عرب، ومثلما كثيراً في زمان عرب اليوم.

***

"يميني أسترالي" كان بعين نفسه يبدو ذكيّاً حينما حاول تبرئة الأميركان من المظالم التي ارتكبها شاه إيران محمّد رضا بهلوي بحقّ أبناء شعبه. أقرّ بصداقة الإدارات الأميركيّة المتعاقبة للشاه، غير أنّ الشاه لم يغتنم الفرصة ويعتنق "القيم الأميركيّة". وكم بدا عليه الإرتباك عندما سألته إذا يقصد "القيم الأميركيّة" في "سجن غوانتانامو" أو "سجن أبو غريب".

***

تزييف الواقع مثل أن تقول أنّه مريح، فيما هو قبيح. وتزوير الوعي مثل أن تعتقد أنّ هذه القمامة هي بالواقع جنّة رياحين.

 

شوقي مسلماني

في المثقف اليوم