أقلام حرة

ما البرلمان العراقي من مجلس العموم البريطاني؟

emad aliعندما يناقش مجلس العموم البريطاني قضايا حساسة ومشاكل تمس حياة ابنائهم، تختفي كليا انتمائاتهم الحزبية الايديولوجية الضيقة كما حدث اخيرا ابان مناقشتهم لقرار مشاركتهم في محاربة داعش طوال مدة احد عشرة ساعة، لم يكلوا ولم يملوا من انصات واتخاذ مواقف وتبادل اراء نابعة من مصلحة بلادهم فقط، دون اي انتماء اخر . اننا هنا لسنا بموقف ان نقيٌم برلمانا اسست بالامس بل هو نتيجة تقادم الزمن على اهم مؤسسة ديموقراطية عريقة واصبح حتى تحركات البرلمانيين عرفا لا يمكنهم تجنبه، ومهامهم تعتمد على المؤسساتية بشكل لا يمكننا الا ان نعتبرها قمة الديموقراطية الداخلية لهم . بينما القضايا الانسانية الاخرى لا يمكن ان نعتبرها من اولوياتهم عندما لا تمسهم ولا يمكن ان نقول بانهم يهتمون بها بقدر مستقبلهم وحياة مواطنيهم، وهذا من حقهم . لم يقدم هذا البرلمان الراقي العريق على خطوة واحدة تجاه تحركات داعش منذ اجتياحه العراق، الا انه كما هي فرنسا تسارعت الى تحركات وما اوصلت اليه من القرار بمشاركة توجيه ضربات الى داعش على الرغم من معارضة قسم من المعارضة في برلمانهم بينما التفت حتى اكثرية المعارضة حول البلد في قرارهم الحساس هذا، وانهم توحدوا اكثر من اي مرة اخرى في اتخاذ القرار الحاسم المصيري الضروري المطلوب منهم . المهم بيانه هنا وليس مدى ديموقراطية هذا البرلمان هو تجاوزهم للعمل والهدف الحزبي والايديولوجي الضيق عند نقطة حاسمة تهم كل البلد . انهم تجاوزوا كثيرا ما يهمهم حزبيا من الحسابات حول نسبة التصويت الذي يعتمون عليها في توجهاتهم في اكثر الاحيان، عدا تمسكهم بالمباديء الاساسية لكل حزب وشعاراته وبرامجه واعتمادهم عليه في قراراتهم . وهنا لا يمكن ان نصف مجلس العموم انساني التوجه كما يدعون هم اكثر من ما يهتموا بمصالحهم كدولة، لان كل نائب يحصل على المعلومات السرية التي لا يمكنه ان يفشيها على العموم وليس كما البرلمانات الاخرى التي لم تحصل على اية معلومات او اسرار من مؤسساتهم المخابراتية لعدم وجود الثقة الكافية بينهم .

اما البرلمان العراقي المسكين، فانه محبوس افكاره وتوجهاته وخلفيته الحزبية الدينية المذهبية العرقية الضيقة جدا، لا يعرف من المصالح العامة بشيء يمكن ذكره، من جهة اخرى فلا يمكن ان نعتقد انه يحصل حتى على المعلومات العامة التي تفيده في قراره حول اية قضية او قانون او قرار يُناقش في البرلمان، وانما ياتيه مشروع قرار او صيغة يمكن ان يدلي بصوته بعد قراءة متنه . فالجيمع على علم بكيفية التصويت والاتفاقات الجانبية التي لا يمكن ان يتذكر اي منهم في لحظة ما ما يهم البلد الا بعد ان يؤمٌن موقف حزبه واهدافه، والخلافات المختلفة التي طفحت الى السطح حتى عند مناقشة اكثر القوانين المصيرية، او لم يتمكنوا حتى الان من امرارها، فانعكست رؤى وتوجهات الاحزاب الى البرلمان دون اي مراعاة للاستراتيجية التي من الواجب ان يسير عليها البلد، لان المشاركين لهم استراتيجيات مختلفة عن ما يهم مستقبل البلد بذاته، انها استراتيجيات او استراتيجية مقسمة بين الموجودين التابعين للمكونات والاحزاب المنبثقة من افكار وايديولوجيات الاديان والمذاهب والاعراق . فكيف يمكن ان نحصل على ما يهم البلد قبل الحزب او المكون او المذهب . فانه امر مستحيل في ظل الثقافة التي يحملها كل نائب ارسله حزبه ال البرلمان لامر خاص به وليس للدولة العراقية والديموقراطية المطلوبة اية صلة به . فان تكلمنا باعتدال كامل لا يمكن ان نصفه افضل من انه يموقراطية ناقصة تعرج رغم وجود دستور يحدد مسارهم . لا يمكن مقارنتهم باي برلمان اخر في العالم وحتى القريبين منا في المنطقة .

تاريخ الديموقراطية والارضية التي ولدت منها ومن ثم البرلمان والمرحلة الاستثنائية التي اخرجت البرلمان ومن ثم تلتها التغييرات،و من ثم وضع البلد والصراعات الشديدة وما انعكست على افكار وعقليات المواطنين كافة ومنهم البرلمانيين، فلا يمكن ان نعتقد بان نجد برلمانا للبلد في المستقبل القريب طالما كان لدينا تلك الاحزاب والقانون الانتخابي والديمقورطاية هذه . اننا نتاكد كلامنا هذا عندما نلمس كيفية تعاملهم مع البعض بالشكل الذي لا يطاق، ووصل الى معاملة الشارع ليس جسديا فقط بل اخلاقيا ايضا . زد على ذلك التدخلات وتاثيرات دول المنطقة المصلحية على كل حزب الذي يامر بدوره النائب على كل موقف والذي لا يمكنه ان يخرج من دائرته، ولا يضرب مصلحته وهو يطيع ما ياتيه من المكتب السياسي مهما اضر بالبلد وبمصلحته العامة . لم نر في يوم من الايام انقطاع البرلماني العراقي عن قرارات حزبه في تصويته . ولم نجد من الكتلة التي لم تنفذ ما ياتيها من خلف البرلمان من المتنفذين من حزبه وليس الحزب بكامله ايضا . هل سمعنا يوما بان النائب عن حزب الدعوة صوت لما لا يهدفه حزبه او من قوى السنية او الكوردية . فاننا يمكن ان نقول انه برلمان الاحزاب وليس للشعب به اية صلة، كما نرى عكسه في العالم كله . انهم حتى لم يقتفوا خطوات الخيرين من الناصحين لهم من المثقفين المستقلين العراقيين بل يزدادون تعلقا بحزبهم واهدافه في كل صغيرة وكبيرة . لله درهم مما يضرون به البلد ومستقبل الاجيال، فهل نستحق الدكتاتورية ام هكذا كان جميع الدول بعد تحرره من البطش والسلطة الجائرة .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم