أقلام حرة

حينما يكتفي فريد زكريا بترجمة نوايا الادارة الامريكية ولا يدري ما يجري في العراق!!!

نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)— "قال فريد زكريا، المحلل السياسي ومقدم برنامج GPS على شبكة CNN الثلاثاء 01 ديسمبر / كانون الأول 2015، إن كل ما يجري بالعراق سببه نوري المالكي"

وأوضح زكريا: "هناك تقارير تصدر من المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش تظهر بأن الناس لا يفضلون العيش تحت وحشية حكم التنظيم وهم يعيشون في حالة من الخوف، حتى بالنسبة للذين فضوا العيش في تلك المناطق عوضا عن العيش تحت الحكم الشيعي باتوا واهمين."

وأضاف زكريا: "إن أكبر خطأ استخباراتي وسياسي لم يكن بالسماح لتنظيم داعش بتقوية نفسه بل كان بإضعاف الدولة العراقية، في منتصف العام 2014 وعندما بدأ داعش بالسيطرة على المدينة تلو الأخرى كانت ردة فعل الجيش العراقي ترك أسلحتهم والهرب."

وأردف قائلا: "المالكي وهو شيعي وفي سبيل الحرص على إنجاح الديمقراطية كان يتوجب عليه رأب الصدع بين الشيعة والسنة في العراق ولكنه لم يفعل وعليه عندما طلب من الجيش قتال داعش قال الجنود والعسكريون السنة لا ببساطة." ....(انتهى).

يعتبر الاعلام في الولايات المتحدة "القوة الاولى" وليس "القوة الرابعة" كما هو حال الاعلام المعروف في بقية بلدان العالم. فالاعلام الامريكي معروف بقوته وسطوته فضلا عن شفافيته ومهنيته في كثير من الاحيان، وخصوصا مع سياسات روؤساء الولايات المتحدة في تباين العقليات التي تقود هذه الدولة العظمى، ألامر الذي يستطيع معه هذا الاعلام اسقاط أعلى الشخصيات مقاما، ويستطيع أيضا رفع أقذر الشخصيات الى مصاف العظماء، كما الحال مع الارهابي ناتنياهو. ولكن يبقى الهدف الرئيسي لاعلام الولايات المتحدة، هو تركيزه بشكل رئيسي على محاولة برمجة عقلية المواطن الامريكي وجعل ثقافته السياسة كمتلقي لما يوجهه به ذلك الاعلام . ولكن، ومع كل هذا وذاك، فلا يعني ابدا ان كل ما يقال أويكتب في الاعلام عما يجري في العراق من أحداث، فانها تتسم بالمصداقية. ذلك لان هذا الاعلام دائما منحازا الى مصالح الولايات المتحدة اولا، ومن اجل ذلك، نراه وفي كثير من الاحيان محابيا لدول تعتبر من ألد اعداء العراق، كإسرائيل وتركيا والسعودية وقطر والامارات على الرغم من إدراكه ان هذه الدول حاولت ولا تزال الاطاحة بالنظام "الصفوي" في العراق.

فمن بين أهم القضايا التي على الانسان الذي تهمه حقائق السياسة في بلده، سواءا كان عراقيا او غير عراقي، ان يتعلم أولا عدم تصديق كل ما يقال من قبل الاخرين أحيانا من مطالبات سخيفة، حتى وان بدا البعض من هذه المطالب معقولا. وحتى وان اضطرحينها الى البحث قليلا في الوقائع والاحداث القائمة لمعرفة من يجعلوا من قصصهم تناسب السرد الذي ارادوا له ان يكون جزءا من الواقع وما يريدون له أن يعتقده الاخرين .

ففي الولايات المتحدة يستطيع كل مواطن ان يقول ما يعتقده بلا تهيب . وعلى سبيل المثال ان الحزب الجمهوري المهيمن على البرلمان يتهم الرئيس اوباما بانه لم يولد في الولايات المتحدة، وأن انتخابه كان غير قانوني، وان الرئيس اوباما مسلم، وانه يحاول جلب الشريعة الاسلامية الى الولايات المتحدة، وانه أسوأ رئيس للولايات المتحدة ...ألخ . كما وأن الحزب الجمهوري، كان ولا يزال يرفض التعاون مع ايران أو اقامة أي اتفاق معها، حيث يفضل اتخاذ جانب نتينياهو والاستماع لنصائحه وهو يحاول ان يصبح نابليون الشرق الاوسط !!

ورؤساء الولايات المتحدة يبني كل سياساته الخارجية على مصالح الولايات المتحدة في العالم اولا وقبل كل شيئ. ولكن، أهداف ووسائل وقوة تلك الوسائل تتباين في درجة توجهاتها لدى ذاك الرئيس عن سواه. فالعالم لا ينسى ما صرح به الرئيس جورج بوش الاب عندما قامت البحرية الامريكية باسقاط طائرة الركاب الايرانية وقتلت 280 من ركابها المدنيين، حيث صرح في حينها بوش الاب وبكل صلف: (سوف لن أعتذر عن الولايات المتحدة فيما حصل). في حين عندما اصبح الرئيس بل كلنتون رئيسا، قام بتأسيس المحكمة الدولية من اجل حل النزاعات وجرائم الحروب بين الدول في العالم. ومن خلال الحكم الصادر من المحكمة الدولية تلك، قامت الولايات المتحدة بدفع ملايين الدولارات كتعويضات لضحايا الطائرة الايرانية. ولكن أيضا، عندما اصبح جورج بوش الابن رئيسا، أمر بالانسحاب من عضوية المحكمة الدولية . ولكن الرئيس اوباما لم يعيد الولايات المتحدة الى عضوية المحكمة الدولية تلك، لاعتقادي شخصيا، ان عودة الولايات المتحدة اليها سيسمح باعطاء فرصة بمقاضات الجرائم التي مارسها الرئيس الابن جورج بوش ونائبه دك جيني في العراق .    

والمشكلة الاساسية المعروفة في العراق، ان الحكومة والاحزاب والكتل السياسية التي تلوم الولايات المتحدة في تدخلاتها الكثيرة في الشؤون العراقية، انما تكشف عن أن الحكومة العراقية وتلك الاحزاب الفاسدة لا تمتلك الكفائة لتحمل المسؤوليات الوطنية لوقف تلك التدخلات في الشؤون العراقية، وكل الذي تفعله هو لومهم فقط !! لكن، وعلى عكس مواقف القائد الوطني نوري المالكي، الذي كانت له مواقف في الحد من تلك التدخلات، والتي من ابرزها كان الطلب الى القوات العسكرية الامريكية بالخروج من العراق . وبعد سقوط الموصل، وما تبع ذلك من سقوط الانبار، وجدنا ان الضباط الكبار في المحافظات الغربية بعد سقوط الموصل قاموا ببيع الاسلحة والأجهزة والمعدات العسكرية التي منحتها الولايات المتحدة لحكومة بغداد، كذلك وضعوا رواتب الجنود الفارين في جيوبهم، ولكن، حكومة العبادي لم تتفوه ببنت شفة. ففي ذلك فرقا كبيرا بين حكومة تقول "لا" كحكومة المالكي، وبين حكومة تصمت كحكومة العبادي.  

والسيد فريد زكريا في 01 ديسمبر / كانون الأول 2015، الذي صرح "إن كل ما يجري بالعراق سببه نوري المالكي"...!! وفي حلقة اخرى من برنامجه، ذكر ان حكومة المالكي لم تعالج المشاكل القائمة في المحافظات الغربية، لكن السيد زكريا، تغافل تغافل تماما عن القادة السنة – البعثيين الذي كانوا قد هيؤا الاجواء ومنذ زمن بعيد و خططوا لسحب الثقة من حكومة المالكي من خلال ما سمي بمؤتمر اربيل . كذلك، وفي نفس الوقت، كانت هذه الكتل السنية تثير سكان تلك المحافظات للانتفاض ضد المالكي وحكومت، من خلال ما اقاموه من ما سمي ب"ساحات العز والكرامة"، التي كان فيها هؤلاء السنة البعثيون يكشفون عن اجندات خياناتهم ووجوهم المعفرة بذلة عدم الوفاء لهذا الوطن الكريم.

والحقيقة التي تجاهلها فريد زكريا، أنه لولا المالكي لعاد البعث للحكم من جديد وبمساعدة الولايات المتحدة نفسها، ولهيمن من جديد على الاوضاع تدريجيا، ومن ثم، وربما بواسطة واحدا من شذاذ الافاق من العسكريين، لقاد انقلابا على الحكومة ولحسم الامر وعاد البعث ثانية. والامر الاكثر غرابة هنا، هو لماذا يتجاهل السيد زكريا حقيقة أن رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي، لا يستطيع التصالح مع السنة - البعثيين، بسبب أن الكتل السياسية السنية، كانوا ولا يزالون من يمثل الاهداف والاجندات العلنية للبعث مع اسرائيل وقيادة الاقليم وتركيا والسعودية وقطر والامارات ؟ فهل يستطيع فريد زكريا مثلا، ان يقترح على ادارة الرئيس اوباما ان يتهادن مع ارهاب داعش في الولايات المتحدة؟ فاقتراح كهذا ان صح، انما يمثل نفس الفكرة التي يطالب بها زكريا او الادارة الامريكية بتصالح الحكومات العراقية مع السنة البعثيين، سواءا أكان ذلك برئاسة المالكي او برئاسة العبادي.

وكيف كان للمالكي الاطمئنان للسنة – البعثيين، في الوقت الذي كان فيه سياسيوا الكتل السنة - البعثية قد شكلوا أقوى العلاقات مع داعش والبعثيين (نقشبندية عزت الدوري)، حيث عثر على ارقام تلفونات شخصية لعزت الدوري لدى كل من اسامة النجيفي وسليم الجبوري وصالح المطلك وواثق العاني وغيرهم !!!

فباعتقادنا، انها الجريمة بعينها حينما يعتقد زكريا، ان ساحات الاعتصام في الرمادي كانت تمثل رمزا ونتيجة (لتهميش) "السنة" من قبل حكومة الماكي . كما وان ترديد فريد زكريا لاتهامات الادارة الامريكية في تهميش السنة للعراق، يعد من وجهة النظر العراقية، بخسا للواقع العراقي الذي نجد فيه أن السنة- البعثيين أنفسهم، يتمتعون بخمسة وزارات بعضها سيادية كوزارة الدفاع والتخطيط، ولديهم الى وقت قريب وقبل الاصلاحات السياسية الحالية، نواب لرئيس الوزراء ولرئيس الجمهورية، على الرغم أن الحقائق تؤكد ان هذه الكتل السنية البعثية متهمة بالخيانة الوطنية في دعمها الارهاب وعلاقات قادتها كاسامة النجيفي وأخاه أثيل وسليم الجبوري وصالح المطلك وعلى رأسهم مسعود برزاني وأخرون . فقد تمادى هؤلاء واستغلوا حالة عدم توفر الحزم الازم من قبل الحكومة، بما شجعهم على المضي بتلك الاستفزازات في مؤتمراتهم الخيانية وساحات "عزتهم وكرامتهم"، لارتكاب الجرائم، كجريمة قتل الجنود العائدين من اجازاتهم من جنوب ووسط العراق بدم بارد.

وما يهمنا هنا أيضا، ان ادارة الرئيس اوباما، كانت تعتقد انها بازاحة المالكي، فانها قد تستطيع ان تبرهن على اصرارها في استمرار الديمقراطية في العراق، ودعمها للسنة لكسب ولاء هذه الكتل . وهي وقد فعلت ذلك عمليا، فان العراقيين وجدوها في نفس الوقت تغمض عينيها عن القوى الارهابية – البعثية الداعشية من الكتل السنية، الامر الذي كشف نوايا الادارة الامريكية التي كانت تهدف ولا تزال، لتسهيل مهمة السيد جو بايدن في تقسيم العراق . ولكن، وبسبب الاندحار والهزائم العسكرية والسياسية لداعش على يد ابطالنا العراقيين، قد ابطل المعادلة التي كان من ورائها بشكل اساسي ازاحة القائد الجماهيري رئيس الوزراء نوري المالكي من جهة، ومنح السنة – البعثيين "شرف" تقسيم العراق!! ومن أجل هذا، فان فريد زكريا، قد أسقط في يده.

وهنا نحاول أيضا توضيح الصورة الخاطئة من قبل فريد زكريا والتي حاول ان يسيئ فيها الى حقيقة رئيس الوزراء الوطني المنتخب نوري المالكي عندما حاول خلط الاوراق ذاكرا في احدى حلقات برنامجه السياسي ذاك، ان القائد العراقي الوطني نوري المالكي كان سببا في ماوصل اليه العراق، مثلما كان بشار الاسد سباا فيما وصلت اليه سوريا. فهل ان العراقيين العقلاء، لا يدركون الفرق الكبير جدا بين ادارة نوري المالكي للعراق كرئيس للوزراء وبين ادارة الاسد لسوريا .

وهنا تظهر الغرابة والغموض في عدم امتلاك زكريا للحقائق التي يفترض انها لا تغيب عن محلل سياسي مثله، فيبدوا غير قادرعلى التمييز بين حكومة المالكي وحكومة بشار الاسد . فحكومة المالكي كانت قد افرزتها صناديق الاقتراع من خلال خروج جميع فئات ومكونات الشعب العراقي لانتخابها . كذلك، تظهر اشكالية فريد زكريا الاخرى، من خلال اوضاع السنة سياسيا في كلا البلدين . وألاكثر أهمية في ذلك، عدم قدرة زكريا في التمييز المنصف والعادل بين السنة الوطنيين الاحرار في العراق وبين "سنة" داعش!!

حماك الله يا عراقنا السامق...

 

أ. د. حسين حامد حسين

 

في المثقف اليوم