أقلام حرة

الموصل تخبرنا لماذا ينهار العراق

saieb khalilكان سقوط الموصل اعجوبة، فلماذا سقطت الموصل؟

هل هي التوترات الطائفية؟ هل هو الفساد؟ هل هي "رغبة السنة في الحكم"؟ هل هو "جيش لا يريد أن يحارب" كما قال الأمريكان؟ هل هي قوة داعش وعزيمتها العقيدية؟ هل لأنها كانت مخترقة ومحتلة من زمن طويل؟ هل لأن الوهابية في العقلية السنية؟ هل لأنهم حاضنة للإرهاب؟ هل لأن الشيعة آذوهم؟ هل بسبب الاتفاقات الدولية والمصالح؟ .. لقد طرحت كل هذه وغيرها على بساط البحث والدراسة، ويمكننا ان نمضي طويلا في تعداد أسباب محتملة اخرى..

وكذلك الأمر في حال العراق الذي مازال يسقط نحو الهاوية بتعجيل مخيف، وهو مشلول لا يكاد يصدر عنه رد فعل، ما السبب العجيب؟

الطائفية؟ أخلاقنا التي يجب أن نصلحها أولا؟ الاحتلال الأمريكي؟ الأجندة الإسرائيلية؟ تخلف الشعب العراقي؟ الجهل الشديد للمجتمع العراقي؟ الفساد؟ مخلفات صدام حسين؟ ساسة الدين؟ تعدد القوميات والطوائف؟ خطأ في الجينات؟ الشيعة ما يعرفون يحكمون؟ إيران؟ دول الجوار؟ انهيار الثقافة وانحطاط الفن؟ الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط؟ ساسة الصدفة؟ نقص التكنوقراط؟ ...الخ

كلها كانت أسبابا تمت دراستها، ويمكننا أيضا أن نستمر طويلا في التعداد...

ويمكننا أيضا أن نطرح نفس السؤال على أعاجيب أخرى: لماذا تتمكن كردستان من ابتزاز العراق بهذا الشكل العجيب وبتزايد مستمر، دون رد فعل أبداً؟ هل هو تفوق كردستان العسكري ام السياسي أم ماذا؟ وما الذي يجبر البلد على دفع الجزية النفطية للأردن حتى وهو يعيش أقسى أيامه؟ لماذا لا يحاسب العراق من يتآمر عليه من ساسته؟ لماذا لا يطالب باستعادة أمواله وتسلم لصوصه الكبار؟

لا شك انها غابة كثيفة من العجائب لا بداية لها ولا نهاية.. وأكثر منها التفسيرات التي تم طرحها، فهل من مخرج من هذا المأزق؟ نعم! أنا أعتقد أن هناك مخرج وهناك أجوبة.

دعونا نعود للسؤال الأول، لكن لنسأل كيف سقطت الموصل، قبل أن نسأل "لماذا". لنراجع موضوع الطائفية: هل تصارع فيها الشيعة والسنة فسقطت؟ لم يحدث هذا! إذن، رغم أنه صحيح أن “الطائفية” مدمرة، وربما ساعدت على بقاء احتلال داعش لها، لكنها لم تكن السبب في سقوط الموصل.

هل تسبب الفساد في الموصل بفراغ خزينتها ولم يعد بإمكان حكومتها أن تقدم الخدمات للناس ولا تدفع الرواتب فثار الناس عليها واسقطوها؟ لم يحدث شيء من هذا! صحيح أن الفساد مدمر، لكنه لم يكن هو الموضوع هنا...

هكذا يمكننا ان نصفي جميع احتمالات سقوط الموصل أعلاه دون أن نجد أن أي منها قد تسبب في سقوطه.

ويمكننا بنفس الطريقة أن نفحص كل الاحتمالات أعلاه لانهيار العراق المستمر، دون أن نجد واحدة منها تقنعنا بأنها وراء سيناريو الانهيار والشلل الذي يجد البلد نفسه فيه، فلا يرد ولا يدافع عن نفسه كما تفعل البلدان الأخرى لدى تعرضها لأي خطر.

الحقيقة الواضحة أمام أعيننا أن الموصل سقطت بترك الغالبية الساحقة من الوحدات العسكرية لمواقعها بخيانة قيادية معروفة. هكذا سقطت الموصل. وحتى لو لم يكن في الموصل أية طائفية، وحتى لو كانت إرادة جيشها للقتال اسطورية ولو كانت أنظف مدينة في العالم من الفساد.. ثم أمر قادة جيشها أن تترك المدينة، فستسقط تلك المدينة!

لقد تمكنت داعش، ومن وراء داعش، ان يضع على قيادة تلك القوات عملاء جاهزين للانسحاب في اية لحظة تصدر فيها الأوامر إليهم! بل أن هؤلاء العملاء كانوا من التمكن من أمورهم بحيث لم يحتاجوا حتى لسحب أسلحة قطعاتهم معهم على الأقل ليبرئوا أنفسهم من تهمة العمالة وليتحججوا بحجج أخرى. ولم يحتج هؤلاء أن يهربوا خارج البلاد، بل ذهبوا إلى بغداد، فقد كان لفريقهم سلطة على القيادة العليا في البلاد أمنت لهم السلامة بعد فعلتهم. هكذا سقطت الموصل وبالتالي فقد سقطت قبل تاريخ سقوطها الفعلي. سقطت في اليوم الذي تمكنت "داعش الكبرى" من تنصيب داعشيين على قياداتها..

ماذا عن الأسباب الأخرى ولماذا إذن يكثر التحليل فيها والأخذ والرد؟ كل ما كتب عن تلك الأسباب عدا خيانة القادة، هو محاولات تشويش على الذهن وتضييع طريقه. وهذا مهم لأنهم يريدون أسقاط مدن أخرى.

ولو عدنا إلى أسباب انهيار العراق وشلله التام أمام ما يواجهه من تحديات، أو تفسير ضعفه الشديد أمام كردستان أو الأردن، فأن سنجد سببا واحداً لا غير، وهو أن أعداء العراق قد تمكنوا من ان يضعوا على رأس العراق، كما وضعوا على رأس قطعات القوات المسلحة في الموصل، شخوصاً منهم. شخوص يعلمون أنها ستأتمر لأوامرهم مثلما تأتمر داعش.

لذلك ترى العراق تحت ابتزاز كردستان والأردن وتراه مخجلا بوجه الاختراقات العسكرية التركية وغيرها. لا شيء يتم بناءه فيه ولا حكومة له يسألها الناس عما يجري، ولا عن أمورهم. إعلام يمتلئ بالكذب والتدمير الاجتماعي بشكل مهول وينشر التخلف والخرافات علناً. لا أحد يعلم من يدير البنك المركزي وإلى أين تذهب أمواله وكيف. ما الذي يحل بالفضائح المالية والعسكرية، ولا لماذا تبقى قوات التحالف بعد ثبات مساعدتها لداعش وقصفها للقوات العراقية والسورية، وبعد فضح التحرك الروسي لأهدافها .. لماذا لا يستعيد أسلحته من كردستان ولماذا لا يمنعها من بيع نفطه، خاصة لإسرائيل؟ لا أحد يفهم كيف تجيب تركيا العراق بأنها لن تخرج من أراضيه لأنها تريد مساعدته!!

لا يوجد تفسير لكل هذا عن طريق قائمة الاحتمالات التي ينبش الإعلام رأسنا بها من الصباح حتى المساء بحثا ومناقشة..

لكن هناك سبب واضح ومباشر يفسر كل هذا بسهولة، ولا يحتاج لاية بحوث، وهو نفس سبب سقوط الموصل: أن أعداء العراق وضعوا على العراق، مثلما وضعوا على رأس الجيش في الموصل، شخصاً منهم!

هل تريدون دليل؟ أنظروا مثلا عندما حدثت المشكلة مع البيشمركه في طوز خورماتو، وتهديد الحشد وتقديم قواته. لأول مرة رأى العراق مسؤولا كردستانيا يتحدث كالبشر في مشكلة مع بغداد، ويتكلم عن الصداقة والوطن وغيرها، خاصة في الرد على تهديد. لماذا؟ هل تغيرت طائفيتنا؟ هل تغير فسادنا؟ هل صرنا فجأة أقل "شوفينية"؟ هل انخفضت قوة كردستان فجأة؟ أبداً، الفرق الوحيد هو أن الرأس الذي يقف على الحشد، لم يكن قد تم تعيينه من قبل خندق كردستان وداعش، الخندق الأمريكي الإسرائيلي. وكردستان أدركت ذلك، وعرفت أن عليها أن تتكلم هذه المرة، لا ان تبصق بوجه من يحاسبها ككل مرة.

لم يكن في رد الفعل الكردي أي شيء عجيب، ولن نجد أعاجيبا أخرى ولن ندفع الجزية للأردن ولن نبتلع الإهانات بلا تفسير، عندما يكون الرأس الذي يحكم بلادنا، قد جاء بإرادتنا وليس في الغرف الكردستانية الأمريكية. هذه هي القصة من الألف إلى الياء!

 

صائب خليل

في المثقف اليوم