أقلام حرة

القيادة التاريخية.. السيد حسن نصر الله أنموذجا

ahmad alkhozaiستون دقيقة من الاسترسال والهدوء، وثقة بالنفس وصلت حد اليقين، وجه مبتسم بالرغم من حزن المناسبة، ووقعها في نفسه، لكنه أراد أن يراه أصدقائه وأعدائه على حد سواء، بهذا الجلد والعزيمة .. هكذا اطل السيد حسن نصر الله على جمهوره، وعلى العالمين العربي والغربي، بعد حادثة استشهاد عميد الأسرى أللبنانيين سمير القنطار، والتي تحاشت إسرائيل أن تعلن مسؤوليتها عن قتله .

وسأبدأ من حيث انتهى .. حين استحضر هويته العقائدية، ومرتكزه الجهادي، والمحرك لهذا العنفوان الذي يعتريه،استحضارا صادقا يليق بهذا الإرث التاريخي الكبير وعظم الهوية، التي يعجز الكثيرين هنا في العراق من قادة وحكام على استحضارها بهذا الشكل المشرق والمشرف، بلا زيف، ولا رياء أو تملق .

وهو اهلا لهذا الانتماء وهذا الاستحضار، بلامس القريب قدم فلذة كبده ابنه هادي على طريق الشهادة والإباء سنة 1997 ميلادية في عملية نفذها مع رفاقه والجيش اللبناني في جنوب لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبذلك سحب البساط من تحت أقدام أعدائه والمشككين به، واثبت لهم صدق عقيدته ونبلها .

لساعة كاملة تحدث فيها السيد حسن نصر الله مرتجلا، احاط بها بكل ما يدور من حوله دوليا وعربيا وداخليا لبنانيا، بين موضح وشارح، ومؤكدا ونافيا، ومهددا ومهادنا، بلغة عربية فصحى يعجز عن صياغة جملة منها الكثير من القادة العرب، لينهي كلامه بصوت الثورة الحسينية وصداها المدوي عبر العصور، وماقالته العقيلة زينب بنت علي ابن أبي طالب (ع) في حضرة يزيد ابن معاوية، موجها كلامه لأمريكا وإسرائيل .. (كد كيدك وأسعى سعيك،وناصب جهدك فو الله لن تمحو ذكرنا) .

في زمن الخنوع، في زمن الانبطاح، في زمن الخيانة والعمالة، يطل السيد نصر الله علينا، ليعيد ولو جزء يسير من الثقة التي سلبت منا قسرا بكل ثوابتنا وأبجدياتنا،الدينية،والقومية،والوطنية، يطل علينا ليقول، انه مازال في جسد هذه الأمة نبض وئيد، ولازالت قادرة على إنجاب رجال يتوقف عندهم التاريخ، يستطيعون ان يقولوا كلا في زمن النعم، وان يصوبوا بنادقهم قبل أصابعهم بوجه إسرائيل وعملائها في المنطقة والعالم، منذ انتهاء الحركات التحررية والتقدمية العربية وتلاشيها بين الصفقات المشبوهة والمعاهدات السرية والمؤامرات، ومقتل رجالاتها وسجنهم او تقاعدهم في بداية القرن الماضي، وسيطرة العملاء والتابعين على مقاليد الحكم في البلدان العربية، ومن ثم استبدالهم بالانقلابيين وحكم العسكر، وصولا إلى ما يسمى بالربيع العربي، الذي بدا ربيعا للتطرف والإرهاب .. لم يشهد العرب ظهور قيادة تمتلك الشجاعة والحضور اللتان يتمتع بهما السيد حسن نصر الله، فوجوده في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ العرب والمسلمين وهو يقود حزبا عقائديا ثوريا مقاوما، وفي هذه البقعة المحاذية لإسرائيل من جهة، وداعش والإرهاب من جهة أخرى، يمثل نقطة تحول مركزية تحدد ملامح ما ستؤول إليه أحوال المنطقة بعد هذا المخاض والصراع الدموي، الذي عمل الكثيرين عربيا وإقليميا ودوليا على جعله يبدوا بهذه القسوة والوحشية والدموية، في محاولة منهم لرسم خارطة جيوسياسية جديدة للمنطقة، تصب نتائجها لصالح أمريكا وإسرائيل، والدويلات الصغيرة فيها .

 

احمد عواد الخزاعي

في المثقف اليوم