أقلام حرة

نادية مراد

نادية مراد، ليس إسما لفنّانة أو سياسية أو رياضية أو أكاديمية معروفة بل هو أسم شائع قد يجده المرء في أية دولة أسلامية وعلى الاخص العربية منها، ولكن هذا الإسم ليس بالضرورة أن يكون لإمرأة مسلمة خصوصا وأن أبناء "الأقليات" الدينية والعرقية عادة ما تسمي مواليدها بأسماء عربية خوفا وتقية من سطوة الأكثرية المسلمة، وهذا ما نجده في العراق مثلا فغالبية الصابئة المندائيين والمسيحيين وغيرهم يحملون أسماء عربية وكذلك الأيزيديين ومن هؤلاء الايزيديين هي الشابة " نادية مراد.

نادية مراد التي أستطاعت الهرب من جحيم الدواعش الارهابيين وقفت بالأمس لتعرّف العالم بأسره معنى السبي الأسلامي للنساء، وقفت وهي تُستَقبل من قبل الرئيس المصري "السيسي" بجرأة قلّ نظيرها لتشرح ما عانته شخصيا ومعها الآلاف من بنات العراق غير المسلمات من أغتصاب وتعذيب على يد برابرة العصر من الدواعش وبيعهنّ في سوق الرقيق والنخاسة مع صمت مريب وقذر لكافّة الحكومات العربية والأسلامية بل وحتى العالمية!

نادية مراد الشجاعة والجسورة وقفت في مجلس الامن وفي الأزهر وبحضرة الرئيس المصري وفي جامعة القاهرة ليس لمحاكمة الدواعش فقط أو البعض من المسلمين، بل وقفت وهي العراقية المسبية لتحاكم كامل النظام السياسي العراقي ومعه مؤسساته الدينية التي تعتاش على هذا النظام الطائفي القذر. ومن دون الدخول في تطبيق داعش لما جاء في الشريعة الاسلامية وما كان يفعله السلف الصالح والصحابة وهم يحتلون البلدان الاخرى من فضاعات لا تقل وحشية عمّا يفعله الدواعش اليوم، أرى أن نسأل أصحاب القرار السياسي والديني عن سبب عدم أستقبالهم لـ "نادية مراد" على غرار المصريين.

السيد "حيدر العبادي" هل تعرف أن المسبية "نادية مراد" مواطنة عراقية وليست مصرية!؟ وإن لم تكن أنت من يستقبلها ليستمع منها الى الجريمة التي تسبب بها رئيس حزبك الفاشل برعونته ونرجسيته بتسليم ثلث مساحة العراق للدواعش، فمن يستقبلها إذن. وهل من الوطنية بشيء بل ومن الكرامة بشيء أن تمر على لقاء بنت "بلدك" بالرئيس المصري لتشرح له معاناتها وقومها مرور الكرام، ومتى ستكونون أيها الدعاة الفاشلون رجال دولة؟

السيد السيستاني، هل تتنجس من المواطنة العراقية "نادية مراد" وهي أطهر واجرأ وأشرف من كل رجالات الاحزاب الطائفية الذين دعمتهم خلال سنوات ما بعد الاحتلال لليوم وهذا ما دعاك لعدم أستقبالها لليوم، أم كونها إمرأة أجنبية ويحرّم عليك دينك الجلوس اليها، أم كونها مغتصبة؟ وهل أخبرك القريبون منك أن شيخ الازهر قد أستقبلها وجلس يستمع اليها بهدوء وصبر وهي تشرح له ما عانته من أهوال خلال فترة سبيها ولحين هروبها؟ أم أنّ وقتك لا يسمح لك بأستقبال السبايا!!؟

أيّها القيمّون على الوقف السنّي ما لكم تصمتون صمت المقابر ومعكم الاحزاب التي تتغذّون عليها حول الجريمة المرتكبة بحقّ البطلة "نادية مراد"، هل لأنكم وأياهم شركاء في الجريمة وأنتم تفتحون مضارب عشائركم ومدنكم لعصابات الأفّاقين القتلة القادمين من كافّة ارجاء المعمورة والمحمّلين بحقد دفين على أبناء شعبنا. لماذا لا تستقبلون "نادية مراد" هل تهابونها؟ هل تشعرون بثقل الجريمة؟ أم وضعتم الوطنية في مظروف كتبتم عليه "للبيع"؟

طلبة العراق، لقد وقفت بنت بلدكم أمام زملائكم من طلبة جامعة القاهرة لتشرح لهم ما تعانيه نساء بلدكم على يد المجرمين الدواعش، داعية إياهم أن يعلّموا مجتمعهم وأسرهم بالممارسات الهمجية لهذا التنظيم كي تقف جميع المجتمعات ضدّه حسب قولها ومطالبة إياهم بالوقوف الى جانب المرأة وقضاياها في كل العالم. فهل ستقفون الى جانبها من خلال أستقبالها، وهل ستنظمون المظاهرات والأعتصامات والندوات من أجلها ومن أجل السبايا من بنات وطنكم؟ لا تجعلوا التاريخ يوصم نضالات الطلبة العراقيين ومساهماتهم الفعّالة في الحركة الوطنية العراقية بالعار لسكوتكم على هذه الجريمة البشعة، أدعوها وأستمعوا أليها فهي لكم خير معلّم في طريق حرية بلدكم وسعادة شعبكم.

نادية مراد... هل تعرفين لماذا يهابك المسؤولون العراقيون ولا يريدون سماع شهادتك بحق أبشع جريمة عرفتها البشرية في تأريخها الحديث؟ هل تعرفين لماذا لم يستضيفك "أبناء" بلدك" لليوم ؟ لأنهم وببساطة شديدة لا يملكون ما يقولونه لك، ليس لانهم ليسوا بأصحاب القرار فقط بل لأنهم شركاء في الجريمة التي أرتكبت بحقّك.

سيدتي "نادية مراد" الشامخة كجبل سنجار والمقدّسة كمعبد لالش حيث خميرة الكون ومهبط الملائكة، أيتها الأيزيدية الطيبة كطيبة أهلك وأرضك لقد أبكيت كل الشرفاء بوقفتك التي لم تقفها أمرأة ولا رجل قبلك، لقد أبكيت حتى "طاووس ملك" وهو بين صحبته من الملائكة. الا أنك لم تستطيعي ولن تستطيعي أن تبكي أشباه الرجال، هل عرفت لماذا لم يستقبلك ساسة بلدك لليوم؟

السيد السيستاني، السيد العبادي وغيركما من شخصيات وأحزاب، أيها البرلمان الكارتوني أن ينسى شعبنا يوما موقفكم غير الحكيم وغير الرجولي هذا ، فأن "نادية مراد" وأبناء جلدتها وكل سبايا العراق ومعهم كل الاحرار لن ينسوا ذلك ، وهذا بحدّ ذاته محاكمة لكم وهي محاكمة مذّلة.

مّن عزّى الثكلى فقد أظلّه الله في ظلَّ عرشه "الأمام علي "

 

زكي رضا - الدنمارك

 

في المثقف اليوم