أقلام حرة

يوم كنا كلنا عرب!

warda bayaاختار الشهيد ناجي العلي على لسان كاريكاتير "حنظلة" أن يرد حين سئل:" أنت مسلم أو مسيحي، سني أم شيعي.. درزي أو علوي.. قبطي أم ماروني..." فقال قولته الشهيرة " أنا عربي يا جحش"

بهذا المنطق العروبي المتأصل اختار الشهيد البطل سمير القنطار وهو لبناني من أصول درزية أن ينخرط في تيار المقاومة اللبنانية المحسوبة (عند المتأسلمين ومن يمشي في نهجهم) على المذهب الشيعي ليدافع عن فلسطين ويقول قولته الخالدة :"والله ما عدت من فلسطين الا لأعود اليها ".. وبهذه القومية المتينة دخلت فيروز، الشحرورة ، وديع الصافي وجوليا بطرس وآخرون.... الى قلوب ملايين العرب بدون استئذان ، وهم من أصول مسيحية مارونية

بنفس الروح التواقة للعروبة، استطاعت ليلى مراد اليهودية الأصل والمصرية الموطن أن تترك بصمة لها في الثقافة والفن العربي الأصيل، وكذلك فعل الشيخ العفريت "اليهودي التونسي"..

يوم كنا كلنا عرب ، لم نكن ننظر الى هذه الخلفيات التي عبثت بإنسانيتنا وتعدت على جغرافيتنا وتاريخنا الواحد... فدعونا نتساءل: هل هذا الفيروس الجديد موجود عندنا نحن العرب فقط أم أنه موجود في الأمم الأخرى..؟.

الفنان والممثل الهندي الأشهر على الاطلاق "شاروخان" من أصول مسلمة ، فلو فكر الهنود بمثل ما نفكر به ، وحرض عليه رجال الكهنوت الهندوس فقط لأنه مسلم ، لغادر هذا الأخير بلاده مُطاردا بلعنة الكفر والخروج من الملة ..

في تسعينيات القرن الماضي، سألني أحد إخوتي الصغار: هل جورج وسوف مسلم أم مسيحي، واذا كان مسلما، فلماذا اسمه جورج؟ وكنت قد أجبته آنذاك بأنه مسيحي ، فرد علي بعفوية متأسفا: مسكين..!

تعلق الشباب العربي في تلك الفترة تعلقا منقطع النظير بالفنان السوري جورج وسوف، ولأن هذا الشباب يتردد على المساجد لأداء الصلوات الخمس هناك ، فقد كانوا صيدا ثمينا لبعض الدعاة المتأسلمين الذين كانوا يسمعون منهم كلاما لا يليق عن أصحاب الديانات والمذاهب الأخرى ، حتى وان كانوا عربا مثلهم يتقاسمون معهم الأرض ، ويصفونهم بأنهم (ضالون ، حطب جهنم ، مشركون، أعداء الله، كفرة ، مندسون ويبشرون بعقيدة الضلال للقضاء على الاسلام... ) بالإضافة الى الدعاء الشهير الذي كان يردده الامام في مساجدنا بعد كل خطبة جمعة ودونه الشاعر الكبير نزار قباني في أحلى قصائده: (اللهم شتت شملهم ، واقطع نسلهم ...)..

فهل هذه الكراهية الصادرة من بيوت الله التي عاثت سنينا بعقول أبنائنا ، اشارة لمعاداة غير المسلمين وبالتالي معاداة البشرية قاطبة من خلال هذه النظرة الاستعلائية ؟ حتى وصل بنا الحال الى أن نتساءل عن الفنان الفلاني والعلاني ، هل هو مسلم أم لا، لنحدد موقفنا من فنه بناء على انتمائه الديني والمذهبي؟!

أوروبا التي شيدت أكبر وأفخم المساجد ، وتعاملت بإنسانية صادقة مع جميع الجاليات بما فيها الجالية المسلمة طيلة عقود، باتت اليوم تعيد النظر في حساباتها، بسبب الأخطار التي تتهددها من عقر دارها.. المتأسلمون الجدد أصبحوا عبئا على الاسلام والمسلمين معا، فلو التزم رجال ديننا بنشر تعاليم دينهم السمحاء دونما الاساءة للآخرين، من منطق "حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين"، لما وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم..

خلاصة القول: أن كل أمم الدنيا متصالحة مع قوميتها الا العرب، تخلوا عنها ثم عادوها، والنتيجة ماهم عليه اليوم .. فلن تقوم لهم قائمة وهم بهذا الحال الا اذا أعادوا النظر في حساباتهم الخاطئة التي أساءت لعروبتهم بمسميات الدين والمذهب ..

 

بقلم/ وردة بية

 

في المثقف اليوم