أقلام حرة

الأخير والأول والعمر بينهما.. إضاءة بمناسبة رحيل سنة وقدوم سنة

saleh altaeiالبارحة زمن مميز، كنت كثير الاهتمام بها بصفتها ثمالة الزمن الأخير من عام 2015، وهو يوم تابعت دقائقه منذ أن استيقظت في الصباح الباكر ولغاية الساعة الواحدة والنصف ليلا، أحصيته، دققت فيه، كتبت ملاحظاتي عنه، وتفحصت وجوه الذين احتفلوا برحيله وسهروا ينتظرون الاحتفال بمقدم بديله، تابعت شغفهم وهوسهم ومرحهم ومزاحهم وكأنهم ينتظرون فرحا غائبا طال انتظاره....

وهذا اليوم .. اليوم الأول من عام 2016 هو الآخر زمن مميز، نال اهتمامي الشديد مثل صاحبه الذي رحل؛ ومنذ أن استيقظت في الساعة السادسة صباحا ولغاية هذه اللحظة، وأنا أرصد وأدقق وأتفحص وأسجل كل شاردة وواردة فيه، وأول ما لفت انتباهي أني لم أجد الوجوه التي كانت بالأمس سهرانة في انتظاره تواقة إلى رؤيته، حالمة بحلوله، فقد أظناهم السهر، وناموا إلى وقت متأخر جدا؛ وكأن أمر قدومه لا يعنيهم بشيء، وكأنهم ليس هم من كان يرقص طربا احتفالا بحلوله.

أما عن نفسي فلم أر شيئا قد تبدل، ولم أشعر أن طارئا جديدا قد حل على العالم، قمت بنفس ما قمت به في آخر يوم من العام المنصرم، لم يتغير شيء بالمرة، ولو كنت معزولا أو في مكان مهجور ما كنت سألحظ أي تغيير خارجي أو داخلي، وكأني كنت أراوح في مكاني، وأمارس الأعمال الروتينية نفسها: استيقظت مبكرا، أفطرت، ثم شربت قهوتي التركية المركزة، ثم جلست خلف حاسوبي، وبدأت العمل إلى أن أنهكت، فأخذت استراحة لأشرب فنجانا آخر من القهوة المركزة، وأتناول معه سيجارة تنعشه وينعشها، ثم عدت إلى العمل وهكذا إلى أن حل الظلام، وإذا بها نفس حلقة الأمس المفرغة التي كنت أدور فيها، بل نفس الحلقة التي أدور فيها منذ سنين.

كل الذي لفت انتباهي وشدني وربما آلمني وأزعجني في هذه الضوضاء التي شغلت العالم كله، وصرفت فيها ملايين الدولارات؛ هو ذلك الرقم الجديد المخيف الذي أضيف إلى سنين عمري التي أحملها فوق ظهري، وأنوء تحت وطأة ثقلها حد الإنهاك.!

ولم أعد أدري إذا ما كنا نُحمِّل الأشياء فوق طاقتها عن قصد وتعمد لأننا نفتقد السعادة والمرح في حياتنا، أم أن الإنسان تواق إلى الجديد بطبعه حتى وإن كان هذا الجديد من سنخ ما لديه، لا يتميز عليه إلا في العنوان أو المظهر الخارجي.

 

صالح الطائي

في المثقف اليوم