أقلام حرة

متى تزيدين الكلام إذن أيتها المرجعية الدينية!!؟

هناك وجهة نظر تقول إن أي نقد موجّه لتصريحات المرجعيّة الدينية في النجف الأشرف لتدخلها بالشأن السياسي تعتبر كفرا حتّى لو كانت تلك التصريحات والأستنتاجات خاطئة أو تؤثّر سلبا على الواقع السياسي بالبلد. فهل على المتابع للشأن السياسي أخذ هذه الأتهامات على محمل الجد والأنزواء بعيدا عن شبح المرجعية الذي تجوّل ويتجوّل بالعراق محولّا البلد من خلال الأحزاب التي أوصلها للسلطة الى جحيم لا يطاق خوفا من هذه الأصوات؟ دعونا أن نغير في هذه المقالة شروط الحوار مع المرجعية والمراد منّا أن لا نقترب من حدودها لـ "قدسيتها" بأن نشكك في نواياها تجاه ما تقوله وتصرّح به في الأعلام وما تخفيه في لقاءاتها عن طريق مكاتبها مع المتنفذين من أقطاب الإسلام السياسي ومن ثم نبحث عن النتائج التي تنفي أو تثبت شكوكنا، عوضا عن الطاعة العمياء التي يراد منّا إظهارها لها كي نكون كالبهيمة من خلال عدم قدرتنا على التمييز بين الحقيقة والباطل وبين الخطأ والصواب وبين الخير والشر والتي يقول فيهما الامام علي "ع " (ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة). ولا أظن أنّ المرجعية الدينية وهي تبحث عن كمال الأنسان حالها حال جميع المؤسسات الدينية في كل العالم كما تقول ويدّعون، ترضى أن يُوصف شعبنا بالبهيمة!؟

أين الحقّ في العراق وأين يقف؟ على ضفّة الطبقة الحاكمة وأحزابها وعصاباتها ومعها الكثير الكثير من رجال الدين بعمائمهم وهي تسرق ما تشاء من ثروات البلد ليزداد جيش الفقراء والعاطلين والأيتام والأرامل، أم على ضفّة الجماهير وهي تعاني الفقر والعوز والمرض والبطالة وسوء الخدمات والموت اليومي؟ وعلى أية ضفّة يجب أن تكون المرجعية وهي ترث تراث الأمام علي "ع" الذي وهب نفسه للحق وليس العكس بأن ينتظر الحقّ ليأتي اليه، علي الذي قال لجميع من "نصحوه" بإن يُبقي على الولاة المفسدين ليأمن خطرهم قائلا "إنّي لأعرف ما يصلحكم ، ولكن لا أصلحكم بفساد نفسي" وليخاطب نفسه بعدها قائلا " لا يؤنسنّك الا الحق ولا يوحشنّك الا الباطل"؟ هذا هو علي إمام الفقراء والأرامل الذي بأسمه وللأسف الشديد تسرقنا الأحزاب الطائفية ومن خلال موقف خجول للمرجعية التي جاءت بهم الى سدّة الحكم في خطبها.

على المرجعية أن توفي لنا الكيل نحن البسطاء من خلال نقدها الواضح والجريء للسلطة وجرائمها بحق شعبنا ووطننا كي تبعد نفسها عن الفساد الذي أتهمها به نوري المالكي حينما هدّدها قائلا في آب العام الماضي بكشف ملفّات فساد كبيرة لثمانية أعوام أبّان تسنمه رئاسة الوزراء وأوضح " أنّ تلك الملفّات ستوقع برؤوس كبار بضمنهم وزراء ومسؤولون وأبناء مراجع". أمّا حديثها في خطبها الأسبوعية عن وجود فساد وضرورة الإصلاح فهذا كما يقول المثل البغدادي "ما يوكل خبز" لأن الأعمى والبصير ومن به صمم يدرك ويعيش حالات الفساد هذه يوميا ويدفع بسببها دماءه وأرواحه وقوته وقوت عياله.

عندما تكرر المرجعية الدينية في خطبها أمور الفساد وقلة الخدمات مطالبة بأيجاد حلول لها لتعود بعد فترة لتتناول نفس الامور مطالبة من جديد بأيجاد حلول لها، من خلال تهديدها مرّة بأنّ صبرها بدء ينفذ ولتعرب في أخرى عن أسفها لأستمرار نفس الحالة معتمدة على ضعف الذاكرة الجمعية على ما يبدو ، يعتبر ضحكا على الذقون لحدود، ومن حقّنا في هذه الحالة أن نشكك بما تقوله وأن ننتقد ما يبدر عنها والشك هنا طريق لمعرفة الحقيقة والنقد وسيلة للبناء، ولا أظن أن المرجعية الدينية تضع نفسها فوق النقد والا لأتهمت بالجمود الفكري كون النقد هو الطريق الأصوب للأصلاح.

في نهاية شهر تموز من العام الماضي وبعد أيّام فقط على بدء التظاهرات الجماهيرية التي طالبت ولا تزال بالإصلاح كان واضحا كما صرّح حينها النائب "حبيب الطرفي" عن كتلة "المواطن" "إن المرجعية رفعت نبرة خطابها من الإرشاد والتوجيه الى التوبيخ والتأنيب" وهذا يمثل جرس إنذار للسلطة وفق تصريحه، لينهي تصريحه قائلا من أن الشيخ الكربلائي حذّر الحكومة نتيجة سوء الخدمات قائلا "أن للصبر حدود"!!!. وبعد ما يقارب الخمسة أشهر على تلك الخطبة أبدى الشيخ الكربلائي هذه المرّة أسف المرجعية "لانقضاء العام الماضي دون اتخاذ السلطات الثلاث خطوات إصلاحية جادة وتحقيق العدالة الاجتماعية وملاحقة كبار المفسدين"، في تراجع واضح بنبرتها الذي بدأ بالأرشاد والتوجيه ليتطور الى توبيخ وتأنيب وليتراجع اليوم الى "أسف!!" من خلال تأكيده على أن "هذا أمر يدعو للأسف الشديد ولا نزيد على هذا الكلام في الوقت الحاضر !!!!".

"لا نزيد على هذا الكلام في الوقت الحاضر" متى تريد أن تزيد الكلام إذن يا معتمد المرجعية!!!؟ عندما ينتهي البلد بالكامل على يد الفاسدين والمقامرين والعصابات الميليشياوية والمافيوية التي باركتموها ؟ شعبنا في طريقه لمواجهة كوارث إقتصادية نتيجة فساد المؤسسة الحاكمة التي ضيّعت مئات مليارات الدولارات وأنهيار أسعار النفط وعسكرة المجتمع بعد فتوى "الجهاد الكفائي" ليعيد الاسلاميون شعار البعث القميء "كل شيء من أجل المعركة" ولينهبوا بإسم الحشد الشعبي ما لم يسرقوه سابقا. إنّ الكثير من مسؤولي "الدولة" يحذرون المواطنين من عدم أستطاعة الدولة الأيفاء بألتزاماتها ودفع رواتب الموظفين أو فتح باب التعيين هذا العام ولحين أنتعاش أسعار النفط، وبدلا من أن ينتقدوا أنفسهم ويكفّوا عن نهب المال العام ويبحثوا عن طرق حقيقية وغير مكلفة لأعادة العافية الى الأقتصاد العراقي كأستثمار الاموال التي نهبوها طيلة السنوات الماضية في مشاريع تنموية للخروج من الأقتصاد الريعي، نرى حراميا كزعيم حزب الدعوة الحاكم يطالب برهن العراق عند صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وأستدانة الدولة قروضا من داخل البلد! الا تدفعكم هذه التصريحات وكل الفساد والقتل وقلة الخدمات للأسراع في الكلام لوضع النقاط على الحروف وتعريف الناس باللصوص لرفع العتب وليس لأمر آخر كون الناس تعرف اللصوص بالأسماء والكنى.

من يملك المال ليقرض الدولة، هل هو المواطن البسيط العاطل عن العمل أم المتقاعد الذي يستلم راتبا بائسا كل ثلاثة أشهر أم خريجي الجامعات الذي يفترشون الأرصفة أم الأرامل وأولادهنّ أيها الدعاة ؟ إن الذي يملك الاموال في البلد هم النخبة السياسية الفاسدة التي أثرت على حساب أبناء شعبنا ومعها مقاولو المشاريع الوهمية وأبناء المسؤولين والمرجعيات "على ذمّة المالكي" والوقفين الشيعي والسني والمؤسسات الدينية ومنها المرجعية فهل هؤلاء سيساهمون في أخراج العراق من أزمته التي دفعوه اليها دفعا!!؟.

يقول الامام علي "ع" من كتاب له الى زياد بن أبيه عامله على البصرة: وإني أقسم بالله صادقا ، لئن بلغني أنك خنت من فيءَ المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا، لأشدّنّ عليك شدّة تدعك قليل الوفر، ثقيل الظهر، ضئيل الأمر". فلماذا لا تحركّون الجماهير البائسة علنا من خلال خطبة الجمعة بالزحف على ماخور السلطة بمبغى الخضراء وحينها ستدع الجماهير الغاضبة هؤلاء الأفاقين قليلو الوفر ثقيلو الظهر ضئيلو الأمر، أوَ لم يخونوا ويسرقوا ويقتلوا وينهبوا لليوم. وهل بقي من فيء العراقيين شيئا لم تسرقه الاحزاب الاسلامية القومية المتحاصصة؟

العراق أيتها المرجعية الدينية على مفرق طرق فأمّا أن تتحلي بالجرأة والشجاعة وتقفي الى جانب الوطن المسلوب والشعب المسبيّ وتزيدي الكلام في خطب الجمع القادمة لتؤشرّي بوضوح ودون مواربة على مسؤولي الفساد وهذا واجب ديني وأخلاقي ستحاسبين عليه أن لم تتحمليه، وإمّا أن تتركي الخوض بالشأن السياسي الذي بدأ بكتابة دستور مريض مزّق شعبنا لطائفيته المقيتة ولم تنهييه بمباركتك للأحزاب اللصوصية التي نهبت البلد وساهمت بدمار الوطن.

إتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتّى عن البقاع والبهائم "الامام علي" .

 

زكي رضا - الدنمارك

في المثقف اليوم