أقلام حرة

أهزوجة عفك بإستشهاد وليد أبن الرمادي

watheq aljabiriلم تكن مجرد أهزوجة، ولا شعار تغطيه أفعال نفاق؛ أنها تمازج مشاعر عراقية من الجنوب الى الشمال، وتشد وثاق الروابط، ولا تقف عند ميولات دينية منحرفة، أو روابط عشائرية وسياسية.

"اخوان سنّة وشيعة وهذا البلد ما نبيعه"، هكذا كانت إهزوجة العراقيين يوم استشهاد وليد.

نزح وليد خالد العبيدي من الرمادي الى قضاء عفك قبل عام، وأوصى بدفنه في النجف في حال إستشهاده، وبالفعل تحققت الشهادة، وأستقبل جثمانه ممثلي المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، ووقف أبناء عفك مع عائلته.

إنتاب زوجة الشهيد شعور غريب، وقلق من كلام زوجها في آخر إجازة، وحديثه معها عن أطفاله الأربعة؛ سيما تبارك المعاقة ووجدان المدللة التي تعاني من عدة أمراض، وعلى غير عادته كان سعيد دون سبب ظاهر، وهي ترتعد قلقاً عليه، ونفسها تساورها الشكوك من عودته سالماً، وتفكر بالطلب منه عدم الإلتحاق والمشاركة في تطهير مدينته الرمادي، التي تطوع لتحريرها؛ منذ وصوله الى عفك، بعد رحلة نزوح مريرة، والشهادة تتوقعها زوجته، وما يقلقها وضع أطفالها المعاقين؛ لكن كلماته تقول أن الوطن فوق كل شيء، وأخبرها أن الموت ليس نهاية المطاف، وما شاهده في النزوج أشد قسوة منه، ولم تبقى له سوى أمنية واحدة؛ أن يعود الى أرضه التي دنسها الإرهاب.

أسهم وليد كحال ملايين من العراقيين؛ في صناعة مثالاً للعالم، وكسر كل الحواجز التي وضعتها المصالح السياسية، وأبلغ والدته التي أوصلت وصيته؛ بأن يدفن مع أخوته الشهداء في مقبرة وادي السلام بالنجف، وشعر والده بعمق الوصية والتضحية، وهو يرى تجمع سكان المنطقة حول جثمانه يبكون بأهازيج وكأنه ولدهم، وفي مشهد تقشعر له الأبدان وصل النجف وإستقبله ممثلي المرجعية، وصلوا على الجنازة؛ لدفنه مع الشهداء.

إن الإيثار تجسد بأعلى درجات السمو؛ في حرب العراقيين مع داعش، ومثلما قدم وليد السني نفسه كشهيد؛ ترك أب شيعي أبنه الشهيد في الحسينية، وجاء لتشيع وليد، وعبر أبناء المنطقة عن أرقى معاني الوطنية والوحدة، وأثبتوا للعالم معنى العراق؛ حيث وصل جثمان شهيدين في وقت واحد؛ أحدهما في حسينية راية العباس لشيعي، والآخرى في حسينية الزهراء لسني، فكان التشيع المهيب الأول لوليد ثم عاد الناس لتشييع أبن منطقتهم.

خمسة أخوان بينهم وليد؛ تركوا منطقتهم، ووجدوا مكان آمن وحافز للوطنية؛ للمشاركة في حرب الإرهاب ورفض الطائفية.

فشلت القوى التي أرادت تفرقة العراقيين، ولن تستطيع تقسيم بلادهم على عناوين طائفية، وخسرت رهانات المتاجرين بالدماء، ولا وجود للطائفية؛ إلاّ في عقول خلت من حب العراق، أو خارجية لا تعرف حجم التعايش، وهذه رسالة من الجنوب والوسط؛ الى الإرهاب ومن ما يزال يعتقد وجود مستنقع الطائفية، ورد عليها وليد برسالة بليغة؛ سيبقى صداها يرن في ضمائر العراقيين، ويقول أن العراق في قلب واحد أرضاً وشعبا، وما كن من تشييع وليد عند والده؛ سوى حفلة زفاف الى أوسع أبواب الوطنية.

 

واثق الجابري

في المثقف اليوم