أقلام حرة

هل تبرز نخبة من الجيل الجديد في العراق؟

emad aliلكل زمان سماته ومواصفاته وخصائصه، ولكل ما يبرز منه ومنه النخبة التي تنبثق منه، ستكون لها خصائلها ومميزاتها تفرقها عن غيرها من جوانب كثيرة . فبشكل عام، ان لكل جيل ما يفرقه عن من سبقه ويختلف عنه في العديد من الاوجه؛ وهذا ما ينطبق على النخبة ايضا، ولكن هناك صفات ثابتة لا يمكن الاستغناء عنها لمدة طويلة وتنتقل عبر اجيال متتالية لمدة ليست بقليلة وتفرض نفسها ومنها الالتزام بالموروثات والطبع والاخلاق والتربية العائلية و ما يفرضه المجتمع في كثير من النواحي التي لا يمكن تجنبها .

من الممكن ان نصف النخبة في اي زامن بانهم ممن يبرزون نتيجة تميزهم من كافة النواحي عن غيرهم، سواء بفعل افعالهم وتفكيرهم او ما تصنعه اياديهم، وكل ما يمكن ان نميزهم اكثر فهم، او اكثرهم خارج الكثير من العادات والتقاليد المعيقة لتقدمهم اي يفرضون العق الفطري على عقلهم المكتسب، وهم بمثابة مفكري زمانهم .

من المعلوم ان كل جيل يتاثر بالظروف السياسية الاجتماعية الاقتصادية التي يعيش فيها، ولا يمكن ان ينعزل جيل كامل عن سمات مرحلته، ولربما تنكفا مجموعة او تنعكف عن شيء، وتختلف عن ابناء جيلهم في امور عدة الا انها لا يمكن ان تنفصل عنهم بشكل مطلق فيما يرتبط بيئتهم، والا انهم سوف يتخلفون او لا يمكن ان يتواصلوا مع البعض او كما قلنا سيكون لهم شان اخر ممن يعتبروممن يعتبرون من المفكرين الجهابذة ويكونوا ارفع من النخبة بدرجات .

انها سنة الحياة الطبيعية ان تتغير باستمرار ولا يمكن لاي شيء ان يوقف الموجود او المرحلة عن التنقل الى مراحل تختلف عن سابقاتها، وتصل الحال في مدة الى ان تتغير بشكل مطلق، ولا يمكن ان تقارن مع المراحل الغابرة . عاش الانسان بما صادف وتغير وتطور بايولوجيا واجتماعيا وهو في تفاعل مستمر مع بيئته، فلا يمكن ان يعود الى ما كان عليه الا في حال محوه او اعادة انبعاثه كما يتصور الخياليون .

لعلنا نظلم الجيل الجديد ان قلنا انهم لا يمكن ان يتصدروا الاجيال القديمة ابدا فيما يخص حياتهم على الاقل، وانهم تربوا على الوسائل المريحة التي دعتهم ان لا يتحملوا الصعاب واصبحوا خاملين غير مجدّين ينتظروا من يتقدمهم في الكثير من القضايا التي تحتاج الى نشاط وحيوية وطاقة لتنفيذها، وهذا لا يدعنا ان نتفائل فيما تصنع اياديهم .

الاجيال الماضية القريبة تحملوا اكثر من غيرهم للظروف الصعبة التي مر بها العراق من الحروب والحصار الاقتصادي والتغييرات التي حصلت جرائه في كافة نواحي الحياة وحتى معيشة وطبيعة وخلق الفرد، والتي ادت الى نشوء جيل مغاير لما قبله في اكثر نواحي الحياة .

بعد سقوط النظام السابق، اصبح الامر مغايرا بشكل نسبي ولكن لا يمكن ان نحسبه افضل مما قبله لان الصعوبات وحتى من الناحية الاقتصادية لم تنتقل الى مستوى افضل من قبل بشكل كبير، عدا شرائح معينة نتيجة زيادة نسبة رواتبهم لحد ما لم يكن في اعتقادهم ان تحصل مثل هذه النقلة، وان كان المندوب الامريكي حاكما في حينه وتعامل مع هذا وفق ما كان في بلاده، الا ان القطاعات الاخرى ظلت متاخرة ولم تحصل تقدما في الصناعة والزراعة على سبيل المثال، اما بعد اجلاء القوات الامريكية فاصبح الصراع المذهبي عائقا كبيرا للجيل الجديد قبل غيره، واحبط الشباب من ما لقوه من التمييز المذهبي والانفجارات والتشرد والنزوح، مما حدا بالكثير الى الهجرة، عدا التعصب والتميز الديني التي ادت الى خراب التعايش السلمي . هذه هي العوائق الكبيرة بشكل عام امام الجيل الجديد، وان اكثرهم لم يحسوا بها الا انهم تاثروا بها وتاثرت نتاجاتهم معها ، وان كان بينهم من خرق الواقع ولكن دون ان يلقوا دعما فتراجعوا وبقوا على حالهم دون حراك .

ان ما احسسنا به في ايامنا، ان جيلنا كان يتميز بوجود نخبة مجتهدة ذكية يمكن ان يُشار اليه في احلك الايام التي عشناها، وخرجوا من بين الجمع المعاني من الظروف الصعبة وابدعوا، الا ان النظام لم يكن يدفع الى الحث والدفع نحو الامام بما يناسب عمل النخبة، ولا يمكن في ظله ان يكون الطموح الفردي اكثر من مستوى معين، فالاسس التي اعتمدها النظام السابق وان كان افضل من الحالي في هذه الامور، الا انه لم يفسح المجال ان يندفع الذكي او النخبة في مجالات مختلفة وان يستمروا في ميولهم نتيجة الحواجز السياسية، عدا الحروب وعدم الاعتناء بالنخبة بشكل خاص وفصلهم كما يتطلب الامر ان اراد اي نظام او حكومة لدفعهم نحو النجاح الاكثر .

اما اليوم وان كان المجال افسح الا ان الدعم مفقود والعوائق اكثر نتيجة دخول امور عديدة على مسار طريق الجيل الجديد ومنهم النخبة التي يمكن تميزهم من بعيد، فاصبحت هي عرضة لكل العوائق العرقية الدينية المذهبية نتيجة دخول السياسة الى كل بيت وفي البيئة التي تعيش فيها دون ان تتمكن من تجنبها، عدا صعوبات الحياة التي تدفع الى السياسة والدخول فيها مجبرة، واهمال الاعمال الخاصة لدى النخبة وما يمكن ان يميزهم .

هذه العوائق المصطنعة بشكل غير مباشر، اما توفر وسائل الترفيه وما يمكن ان يضيع الشاب الذكي وقته وما لديه فيه دون اي نتاج، فكثرت وانها وان هي الات لها جوانب ايجابية ومطلوبة لحياة الناس، الا انها اصبحت من جوانب كثيرة غير متوفقة مع العادات والتقاليد الموجودة التي تمنع الحرية الشخصية وتؤدي الى العقد والكبت الذاتي، تكون عائقا امام تقدم النخبة اكثر من   دفعهم الى الامام، لاسباب اخرى كثيرة ياضا؛ واكبرها التناقض الموجود بين المستوى المعيشي وانعدام الامكانية المادية وما تتوفر من الوسائل التي تدفع الشاب الى ان يفضل اقتانئها وعدم التوجه الى ما يهمه في ما يهتم ويفطر به، اي توفر ما يخدع المتميز ويحرفه عن مساره اكثر من مساعدته الى العزم والحزم والمثابرة، وفي دفعه الى التنافس على نتاجات يمكن ان تضعه على مرتبة النخبة المعتمدة .

ملخص الكلام، ان العوائق ناتجة عن ظروف ذاتية خاصة بالجيل الجديد وما يمكن ان ينتظر منهم من بروز النخبة المتميزة، والظروف الموضوعية التي تعرقل حركتهم، ولكلا الظرفين علاقات متبادلة ومرتبطة مع بعضها لا يمكن فصلهما، وهما العائقان الكبيران في هذه المرحلة دون وجود ثغرة يمكن استغلالها لصالح النخبة كما كان من قبل . لذلك لا يمكن ان نتصور ايجاد نخبة تعمل ما بشانها في تغيير الواقع الموجود في جميع النواحي . هل ننتظر تغيير الواقع كي نغير من توقعاتنا عنهم، فهذا يمكن ان تبينه الايام المقبلة او المستقبل البعيد .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم