أقلام حرة

ماذا تريد تركيا وايران من هذه المنطقة وكيف تكون؟

emad aliمنذ سنوات وتتفاعل المعادلات التي تتم وفق ما تدفعها اطراف متعددة الى استنتاج ما تامله في نهاية تلك التفاعلات، وتتدخل بشكل مستمر بعد سقوط الدكتاتورية في العراق بشكل ما ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي بشكل قوي ومباشر.

من المؤكد ان ما حاولته الثورة الاسلامية الايرانية في بداياتها هو تصدير الثورة بشتى الطرق، واسمت ثورتها في ايران وليست الثورة الايرانية ونوت ان تكون في دول اخرى ايضا، وحاولت توجيه مسار التحركات التي حدثت في العديد من الدول متشجعة من ما وصلت اليه الثورة الايرانية من جهة، وتدخلات ايران بشكل غير مباشر قبل الحرب الايرانية العراقية في شؤون دول المنطقة، واصبحت هي منذ بدايات سقوط الشاه واجهة وبداية للحركة المذهبية التي استغلتها اي الثورة التي سمتها بالاسلامية من اجل السيطرة العرقية وتامين مستقبلها السياسي بهذه الطريقة والفكر والفلسفة العميقة التي يمكن ان تتعلق بها الناس في هذه المرحلة .

اما تركيا وهي ارادت استغلال الضعف الايراني ايضا بعد الثورة ومدت من يدها لتبين انها بالمرصاد لاية حركة ايرانية ولم تدع ما لغير صالحها ان تتبلور منذ ان احست بما يمكن ان يغير من موقفها وثقلها في هذه المنطقة، وتحركت على العكس من ايران واصبحت هي عيون الغرب من جهة ومخططة لما يمكن ان يمنع من تمادي ايران من خلال تنفيذ السياسات الغربية بافعال واعمال ومخططات ثعلبية المحتوى والتوجه على الرغم من عدم نسيانها للطموحات الخاصة بها في المنطقة، انها حققت ما ارادت دون ان تخسر شيئا على العكس من العراق الذي قدم كل شيء لما تتمناه تركيا والغرب على حساب ابناءه، وتضرر هو دون ان يشاركه احد بما فعل واصبح في النتيجة لصالح تركيا وسياساتها بشكل مطلق . هكذا لم تتغير الظروف الخاصة بالمنطقة والتي مالت لصالح تركيا منذ بداية حرب الخليج الاولى، واستغلتها تركيا وطفرت كثيرا في تغيير واقعها وظروفها الاقتصادية بالاخص نحو الافضل مما كانت عليه، وعلى حساب تهور الدكتاتورية العراقية، كما استفادت امريكا ودول الغرب جميعهم من ما حدث هنا دون ان يتضرروا بمثقال ذرة .

عندما اصر امريكا على اسقاط الدكتاتور العراقي، لم تكن تركيا متلهفة لما تقدم عليه لا بل لم تساعدها في العمليات العسكرية ولم تسمح لها استخدام قاعدة الانجرليك العسكرية التابعة لحلف ناتو، مفكرة بانها تمنع لما تصر عليه امريكا والغرب، او على الاقل ستعمل على ان تكون ايديها هي العليا، ولكنها لم تحسبه جيدا واضرت بنفسها وتدفع ضريبة خطئها لحد اليوم .

خلال هذه المدة تغيرت الاوضاع الداخلية في تركيا كثيرا بحيث وصلت الى ماهي عليه اليوم من سلطنة اردوغان وتسلط حزب العدالة والتنمية ومحاولته في اعداة امجاد العثمانية على حساب المنطقة، بعدما انعكفت تركيا خلال المدة السابقة على حالها فقط في مراحل معينة، على ارغم من انها كانت تضمر في نيتها ما كانت لم تنقطع عنه ولو لمدة قليلة وهو السيطرة على المنطقة واعادة ما تعتبره حقها المغتصب كما تعتقد، وهو محافظة الموصل و وكانها ملكها واغتصبت رغما عنها دون ان تفكر ولو للحظة بانها هي التي تغتصب مناطق شاسعة في تركيا ليست من حقها ان تضمها اليها. وهكذا بالمقابل استغلت ايران الواقع وجاءته افضل فرصة بعد ثورتها الاسلامية ومرورها بمرحلة صعبة من الحرب والدمار، وجائتها الفرصة اخيرا لما يمكنها ان تهتم بما تخصها من المذهبية حتى على حساب الاسلام دينا من اجل اهداف سياسية، كما هو مضمون الاسلام دينا ونظاما وسلطة منذ صدر الاسلام . ولكنها اي ايران ومنذ الفتوحات الاسلامية ودخول الاسلام اليها عنوة تعمل على استغلال الاسلام مذهبيا لاهداف ومصالح عرقية، ولم تتغير سواء في حكمها العلماني الشاهنشاهي او الاسلامي الخميني بشكل لا يمكن ان نحس باي اختلاف فيما بينهما من حيث المضمون والاستراتيجية .

اليوم وبعد وصول حال سوريا الى ما هي عليه وبعد تكثيف زخم الصراع المتعدد الجوانب فيها بعد محاولات الهلال الشيعي والاناء السني وتضادهما في كل توجه ، فانبثق محوران على اساس مذهبي لاسباب عديدة وكلها لصالح مخططات الغرب، اي حتى نوعية الصراع واساسه واللاعبين ناتج عن تخطيط العقلية الغربية وبالاخص الامريكية التي فضلت ان تكون هي بعيدة عن قيادتها الميدانية بشرط بقاء اشرافها المباشر الا انها تميل الى ما لصالحها من الجانبين على الرغم من انها تميل لمحور معين احيانا . ولم تنجح الى النهاية بعدما تدخلت روسيا وارتفعت رصيدها كثيرا، ولم تكن لصالح امريكا وقطعت عنها مسار خططها . فاجبرت امريكا على ان تتدخل بشكل مباشر بعدما انسحبت هي ووظفت قوى بديلة تعمل كما تريد، فاصبح راس المحورين او القطبين روسيا وامريكا في الميدان مباشرة ومكرهة دون رضا امريكا بذاتها ولكنها اضطرت الى ذلك، وهي التي ارادت ان تكون بعيدة وفاعلة وهي توجه وتعمل بايادي وقوى محلية . اي دخول روسيا القوي في سوريا وبشكل مباشر افشلت مخططات امريكا البعيدة المدى او الاستراتجية التي ارادت ان تفعل ولا تدفع . ولكنها علمت بما قطعت عنها الطريق فتلهثت في التعامل مع المستجدات وما شاهدناه من الزيارات المكوكية المتعددة لوزير خارجية امريكا لروسيا وحتى كانت خارج العرف الدبلوماسي، اوضحت لنا مدى تخبط امريكا محاولة اعادة المسار عن الانحراف، وهي تحاول التنسيق مع روسيا من اجل ضمان مصالحهما معا على الاقل واستغلال ما يجري، واصبح الميدان الرئيسي لكل تلك الصراعات هو سوريا كموقع بديل عن تعدد المواقع للصراع العالمي .

اليوم وبعد اتفاقات روسية امريكية سواء مباشرة او بشكل غير مباشر، اصبحت الدولتان ايران وتركيا والدول الاخرى من المحورين السني والشيعي هم البدلاء وباشراف روسي مباشر مع تدخلات امريكية ومباشرة احيانا وببديل في احيان اخرى . ولكنها اي امريكا اصبحت تفكر في العودة الى الاشراف المباشر وتعمل على اعادة وجودها في الميدان مباشرة بعدما رات تدخل روسيا القوي، لانها تفكر في ان مصالحها ستكون في خطر عندما تكون كفة الميزان لصالح روسيا الجديد، لذلك تفكر ان تعيد الكرة مرة اخرى الى المنطقة بشكل ما، وستكون الصراعات باشكال وطرق جديدة مستقبلا، ولكن تركيا وايران ستبقيان القوتان اللتان تكون لهما اليد في شؤون المنطقة اكثر من غيرهما لمكانتهما المعلومة واسترتيجية موقعهما وتاثيرها على مسار الصراعات . وما تريدانه وتعملان عليه وتهدفانه هو المعيار لما تكون عليه المنطقة بعد مصالح امريكا والغرب وروسيا وخطواتها الاستراتيجية الجديدة واهدافها ومدى تحملها الصعاب في صراعها الاقتصادي مع دول الغرب . اما تغيير الخارطة وشكلها فانه موضوع اخر، ولكنها ستكون وفق ما تتعامل به هذه الدول ونظرتهم وما يفيدهم شكل الخارطة بعد وصول اللعبة الى نهايتها في وقت ما، او عند انبثاق معادلات اخرى مختلفة عما هي اليوم في المنطقة .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم