أقلام حرة

جيجل أبو العيد وآخرون.. ذكرى بدون عبرة

fatimaalzahraa bolaarasكلمة ألقيت في الذكرى الثانية عشرة لوفاة الكاتب أبو العيد دودو (بشئ من التصرف)

لا أعتقد أ ن أبا العيد دودو وغيره من الراحلين المتميزين   لا أعتقد انهم أفنوا أعمارهم من اجل ان نجلس جلسة بائسة كهذه في كل ذكرى نعدد فيها اعمالهم ونثني على محاسنهم التي لم نكن نراها وهم أحياء..... نحن قوم جبلنا على تعليق العراجين على قبور الموتى الذين اشتاقوا حبة تمر عندما كانوا أحياء وجُبلنا على البكاء على اللبن المسفوح مع علمنا أن لا فائدة ترجى من ذلك

أنا أعرف أنني لن أضيف شيئا للرجل لا أنا ولا غيري فقد اجتهد وأصاب وله الأجر والأجران.....اجتهد في وقت كان الاجتهاد فيه حاجة ضرورية لبلده وكانت المثبطات أكثر من التشجيعات...لقد سعى وكأنه ملهم وهو كذلك ملهم من الموهبة التي حباها الله بها فصقلها ورعاها بسعي ووعي فتوفر له ما لم يتوفر لغيره من إتقان للغتين الالمانية واللاتينية ومن تكوين في الجامعات العربية والأجنبية

إن ترجمة أبي العيد دودو لقصة الحمار الذهبي ل:لوكيوس أبوليوس لوحدها تكفي لتدخله تاريخ الأدب من واسع الأبواب ليس لأن الرواية كانت الأولى أدبيا وإنسانيا ولكن لأنه أرجع الفضل لأهله خاصة وان البعض سبقه إلى ترجمتها ناسبا إياها لأماكن أخرى وهكذا ترسخ لابن مداوروش أبوليوس سبقه الأدبي والتاريخي في هذا الفن الجميل بفضل هذا الأديب الغيور على بلده ولغته

إن الحديث عن الإنجازات وذكر مناقب الموتى على قياس اذكروا محاسن موتاكم لا يفيدنا في شئ

إن ما ينفع حقا وما سعت إليه نخبتنا المثقفة الواعية هو أن نجعل من الثقافة فعلا مجتمعيا دائما وأن يصبح الشعر والأدب كالغذاء إن لم نقل كالماء والهواء....وهذا لن يتأتى حتى يصبح للكتاب سطوة كالخبز والحليب ولديوان الشعر حُضوة كحُضوة الأغنية الرائجة التي يتهافت شبابنا على الاستماع إليها   رغم أنها قد تكون هابطة لا ذوق فيها ولا جمال ولهذا ينبغي علينا أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال

ما ذا فعلنا نحن من أجل الأدب ؟

إن أكبر مجتهد فينا يسقط في أول اختبار حقيقي والجميع يشكو من التهميش والظلم و.... وعلينا عندئد طرح السؤال الموالي

من يهمش من ؟ ومن يظلم من ؟....ألسنا كلنا مشتركون في هذا الظلم وهذا التهميش...عندما نغيب عن الملتقيات...عندما لا نشجع بعضنا....عندما نغتاب بعضنا وننقد بعضنا نقدا هداما يركز على الشخص لا على النص     وهلم جرا... من سلبياتنا الكثيرة وأخطائنا الجسيمة التي ضيعت علينا درب الأدب فنبتت أشواكه والتف عوجسه   وصار يخزنا ويؤذينا

نحن لا نسعى لفعل شئ راق تلوذ إليه الأجيال ولا لفكرة راقية تلتف حولها العقول ...أين النوادي الثقافية والأدبية في جيجل ؟

أين هم أساتذة الأدب العربي الذين يعدون بالآلاف ؟...هم موظفون يؤدون واجبهم التعليمي ثم ينصرفون إلى اهتماماتهم الأخرى التي ربما ليس من ضمنها مطالعة كتاب ؟؟؟

من يعلم أبناءنا حب الأدب ؟ إن لم نفعل ؟ من ينبههم إلى ميزاته ؟ وآثاره على وجدانهم الفارغ ؟ نحن قوم لا نستفيد من الأزمات... صحيح أننا ننبعث من موتنا كالفينيق ولكن لا لنتعظ بل لنعاود أخطائنا القاتلة   ؟

فلو لم يعش شبابنا فراغا روحيا ووجدانيا لما امتلأت قلوبهم بالجنوح ونفوسهم بالانحراف ولما انقادوا وراء الأفكار الغريبة عنا...لو كانوا يقراون لغاصوا فيما يقرأون واكتشفوا جمال الكلمات ولمسوا عمقها وعاشوها وما حلقوا في الفراغ الذي أسقط بلادنا في الهاوية طوال عشريتين ننكرهما وتنكراننا

إن هؤلاء الكبار الذين رحلوا يحملون في قلوبهم الرهيقة آهات الحسرة من واجبنا أن نعيد الاطمئنان إلى أرواحهم بأن نسعى في طريقهم الذي أمسكوا بخيطه السني حتى لا يطمس وينطفئ..وعلينا أن نبحث عن الخلل الذي غير اهتمامات أبنائنا ونعرف مالذي يجعلهم يقبلون على مشاهدة مباراة بالملايين وعلى سماع أغنية هابطة بينما لا يهتمون بشاعر مجد أمة وكاتب أرخ لأفراحها وأتراحها..ولكي نعرف حجم المأساة تصوروا معي ثورة التحرير بدون مفدي زكريا وبدون اللهب المقدس والإلياذة ؟؟

ولو طرحنا هذا السؤال على أبنائنا وفي جيجل نفسها من هو أبوالعيد دودو لأجاب أحستهم بالقول درسنا له درسا في سنة ما....وإننا حتى عندما نريد رد الاعتبار لهؤلاء في الوقت الضائع نسئ إليهم دون قصد فماذا يفيد هؤلاء تكريم عائلاتهم بينما لم تثمن مواهبهم وهم أحياء ولم نستفد منها ؟

إن مبادرة بنشر كتاب أو لأبي العيد دودو أحسن ألف مرة من مئة احتفال نتغنى فيه بمولده ومسيرة حياته..

ولأن العظماء لا يموتون فإننا لازلنا نتذكرهم ولكن دائما بعقلية عرجون التمر المعلق على قبر ميت اشتاق تمرة في حياته

وفي جيجل الجميلة بالذات جيجل التي ألهمت أباالعيد وابن الشاطئ وآخرين أسدل عليهم الستار في حياتهم...علي أبنائها أن يخرجوها من البؤس الثقافي الذي ترتع فيه علينا جميعا أن نخلق شيئا جديدا جديرا بالبقاء ليس وقفة ترحم ليست ذكرى عابرة...لكن لنخلق شيئا نربط به تواصل الأجيال...تواصل الأحياء والأموات الذين كانت حياتهم إبداعا وقدوة...لنخلق شيئا ينمو يكبر.. يتطور..فكرة تبهر وتجذب ويلتف حولها الشباب...وهاهي أبواب التواصل مفتوحة لا يحجبها غيم ولا يردها عنا ضيم..وها أنذي أهيب بأبنائنا وبناتنا إلى فتح مواقع بأسماء أدباء جيجل أو أي واحد من أبنائها المتميزين

لينشئ بناتنا وأبناءنا حسابات ومجموعات بأسماء من يختارون   ينشرون فيها أعمالهم للدارسين ويستفيدون من أفكارهم

إن جيجل الجميلة تهيب بنا جميعا ألا نمر على جمالها مرور الكرام ولا نطمس على نور أهلها ومزاياهم وفيهم الأديب المميز والسياسي المحنك والفقيه الحافظ والرياضي الشهير

جيجل تنادي شبابها كي يقفوا على كنوزها وينتفعوا بها كي يصغوا إلى حكمة الراحلين....يغوصوا في مواهبهم ويغترفوا منها

إن الصمت لم يعد حكمة في زمن يتكلم فيه الجميع فإما أن نكون أولا نكون... وعلينا ألا ننتظر من الآخر أن يهتم بما نحن له مهملون فما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك

لنحاول لنجتهد فنؤجر مرة لو أخطانا ومرتين لو أصبنا

رحم الله الرجل الموسوعي أبا العيد دودو وأثابه وألهمنا اقتداء دربه في العمل بصمت من أجل الرقي الأدبي والأخلاقي الذي هو ميزة بنات وأبناء جيجل المجاهدة الصامدة

 

فاطمة الزهراء بولعراس

في المثقف اليوم