أقلام حرة

الحكومة والبرلمان يقرران التنازل عن معاشاتهم !!

hamid taoulostما كاد جسدي المتعب، يلامس مقعد القطار، الذي استقلته للعودة من سفرية مضنية حافلة باللقاءات والنقاشات الصاخبة والمثمرة، حتى اختطفت عيني غفوةُ، تحولت بسرعة إلى نوم عميق، بدأت معه سلسلة من التخيلات غير المتماسكة ولا المنطقية، والشبيهة بتهيؤات المجانين، إلى التسلل إلى ذهني ومروادة نفسي، في محاولة لإشباع رغباتها المكبوتة خاصة تلك التي يكون إشباعها صعبا في الواقع، حيث رأيتني أتابع إحدى دورات البرلمان، الذي غصت كل جنبات مدرجاته -كما يحدث عند افتتاح كل دورة تشريعية بحضور ملك البلاد حفظه الله - بالوزراء وممثلي الشعب من الغرفتين، وذلك لمناقشة موضوع الساعة الذي شغل الأمة ولازال، والمتعلق بمعاشات الوزراء بمعاشات الوزراء والبرلمانيين .

إلى هنا فالأمر عادي وطبيعي، لكن الغريب والمذهل فيه حقا، هو انخراط وزراء الحكومة الـ 39 وبرلمانيي كل التكتلات السياسية، وجميع المتتبعين في موجة، بل في طوفان، من التصفيق الطويل لرئيس الحكومة على إعلانه لموقف حكومته الرسمي غير المسبوق، الذي جعل من حب الوطن أولوية، وقرارها الصارم المذهل، القاضي بامتناع كل الوزراء وجميع البرلمانيين وعموم المسؤولين السامين، عن استلام رواتبهم، والتنازل عن كل مخصصاتهم والتبرع بتعويضاتهم وكافة الامتيازات، للحفاظ على خزينة البلاد من الإفلاس، والتغلب على أزماتها المالية، والقضاء على الفقر بها، وإسعاد محتاجيها ومساكينها المسحوقين .

لم أصدق ما سمعت أذناي، ولا ما شاهدت عيناي، والتفتت صوب الواقف بجانبي مستفسرا الأمر، عله يكون أفهم مني !!، لكني وجدته هو أيضا، أغرق مني في بحر من الدهشة والاستغراب، وكان جوابه مضطربا : "إنها الهداية، إنها الهداية، إنها هداية القادر سبحانه وتعالى، الذي غير النفوس، وأودع في قلوب قادة هذا الوطن ومسئوليه وأصحاب القرار من الرحمة ما جعلهم يعلنون التوبة عن كل ما فُعل بـ"مزاليط" هذا البلد ومظلوميه، طيلة العقود الماضية، ودفع بهم ليكونوا رحماء بالفقراء، ويشاركوهم محنهم وينقدوهم من بؤسهم وشقائهم. انخرطت في تصفيق هستيري طاغ، دفع بأحد المسافرين إلى تنبهني بقوله :"سبحان الله آسي محمد، سبحان الله".. صحوت مفزوعا أمام نظرات استغراب المسافرين، وأيقنت ساعتها أن كل ذلك كان مجرد حلم، من تأثير تلك النقاشات الطويلة والمستفيضة لنفس الموضوع الذي استغرقته لقاءات اليومين الأخيرين، والتي جعلتني كالجوعان الذي لا يحلم إلا بالأكل، كما في المثل الشعبي القائل "الجيعان كيحلم بالطواجن ديال الحم والدجاج " أو المثل الذي سؤل فيه جوعان عن مجموع سبعة زائد سبعة، فأجاب" 14 دالخبر ".

خاطبتي إحدى المسافرات قائلة : الله يجعلو خير وسلام إن شاء الله، شكرت لها اهتمامها .. تمنيت أن يتحقق جزء مما حلمت به، فيتنازل كل النافذين من الوزراء والنواب والموظفين "السامين"، والوصوليين والانتهازيين الموالين للمخزن، المسبحين بحمده صباح مساء، ببعض مما يحصلون عليه مما تغدق به البلاد عليهم من العطايا الحاتمية السخية، ولو فعلوا ذلك، لساهموا في القضاء على الفقر في بلادهم، ولاختلفت إحصائيات ونسب الفقراء جذريا ولن يبقى منهم إلا العدد اليسير،

فيا أيها المقتدرون، إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، وإنه بالفقراء تدخلون الجنة.

 

حميد طولست

في المثقف اليوم