أقلام حرة

مهمة الأمة في الأزمنة الهامة؟

badya shikatيعيش عالمنا المعاصر اليوم مايدعوه الصينيون بلعنة الأزمنة الهامة، تلك التي تجعل العالم حطبا لنيرانٍ أوقدها الإنسان، فهو إن سَلِم من الزلزال، لم يسلم من البركان.

فبات لزامًا وضع خريطة جديدة للعالم، إنما ليست خريطة جغرافية، ولا سياسية، بل خريطة إيديولوجية، نضع فيها حدودا للهمجية، ونؤسِّس موطنا مشتركا للإنسانية.

فمايحدث اليوم مِن خراب وتدميرماهوإلاّ نتيجة حتمية لمادية طافحة رأت العالم جسدا بلا روح، فحين تَخلّص هذا العالم مِن قداسة المقدَّس وجلال السلطة كما يُسمّيها كانط، نراه اليوم يؤسِّس لآلهة أخرى بديلة تشعره أكثر بالحرية، فلم يجد غيرذاته، فراح يقيم لها معبدا من الماديات، أو ذهب ليغرقها في الروحانيات، فأسَّس للدين جمهوريات.

وصارالعالم كما قال الفيلسوف الإيراني "شايغان" مقسَّم بين عالم ديني هو باطن العالم، وعالم مادي هو ظاهره.

ولأنّ العالم الغربي هو ذاك العالم المادي، والعالم الشرقي هوذاك العالم الروحي، فقد أصبح مايحدث من أزمات مَردّه الأول هو ذاك الصراع، وإن تستَّر بطابع سياسي، إجتماعي أوإقتصادي، فهو في النهاية تدفّق لسيل من الأفكار، تماما كما تتجمع الأنهار، لتصب في البحار.

فكانت تلك الإيديولوجيات بمثابة إنهيار للعالم، والذي يدعوه الفيلسوف الإيطالي جياني فاتيمو "بالأنطولوجيا الضعيفة"، أي أنّ الإنسان حين تمّ شريبه بتلك المادية، أُفرِغ في الوقت ذاته من روحه، فصار كآلة تقوم بأدوار الحياة دون أن تعي معناها، ولعل ذلك بات واضحا وجليا، إنما الذي ليس بالواضح الجلي هو ذاك الحراك الخفِي المتداخل بين روح الشرق ومادية الغرب، وأنّ هاته الأدوار سوف تُتَداول بعد بلوغ سقف الإمتلاء، سواء المادي منه أوالروحي.

وليس ذلك بالصدمة المدهشة، بل هي طبيعة سائدة في نقلات الفكرالإنساني، والذي لن يسكن حتى يتعادل طرفي الميزان الروحي والمادي، وذلك بالفصل بين الإيديولوجي والديني، وهذا ربما ماتتدرج نحوه المادية في تقنياتها التكنولوجية دون إدراكٍ واعِ منها، فمثلا حين يجتمع العالم كله في فضاء إفتراضي واحد لاتتمازج فيه سوى الأفكار، وحين يصير الإنسان يخاطب إنسانا آخر في عالم لايتأمّل فيه غير روحه وأفكاره، صارتماما كمن يمارِس الكشوفات الصوفية.

فلعلنا سنرى الأجيال القادمة وهي تمسك الآيفون بيد وتمارس طقوس اليوغا بأخرى، وقد تنتقل الحروب من الواقع الحقيقي إلى الواقع الإفتراضي، ويكون السلام في النهاية هو السلام الداخلي، فلنبحث عليه منذ اللحظة لنورّثه كما نريد للأجيال القادمة .

 

بــادية شكاط من الجزائر

 

في المثقف اليوم