أقلام حرة

الكراهية أكبر آفة ابتلي بها مجتمعنا

hamid taoulostلا أحد يشك في أن الإسلام دين محبة وسلام، لا يحض على العداء، ويدعو المسلمين للوحدة ونبذ الخلاف والعداء، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا "، آل عمران: 103.

لكن ما نلمسه عند بعض العديد من متأسلمي هذا البلد الأمين من عداء للأمازيغ، هو واحد من أغرب الظواهر، حيث نجد أن الخطاب الدعائي الذي يروّجون له، يجمع بين أطرافه من الكراهية، ما قد لا يجتمع في أمر غيره، والتي تبدأ بالنظرة الاستعلائية لهذا المكون المغربي الأساسي، والاستهانة به، والاستخفاف بوجوده، والتطاول عليه، لتنتهي للتفريط في حقوقه، ما يؤسس لصراعات داخلية خطيرة، لا يمكن معها حماية الاستقرار السياسي ولا الاجتماعي وربما حتى الاقتصادي، وذلك لأن تلك الكراهية التي يحملها أولئك المتأسلمون، ليست مرتبطة بموقِع الأمازيغ في هيكل القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بقدر ارتباطها بأسلوب تفكير متكرف، وثقافة تحيز متصلة بحياتهم الاجتماعية، والتي تظهر خطابهم المعلن، وسلوكهم المؤطّر، على خلاف الأنماط الأخرى من الكراهيات التي تأخذ في مجتمعنا أشكالاً عديدة، والتي تبقى في غالبيتها حبيسة دوائر ضيقة مغلقة، تنعكس أحيانا في تصرفات اجتماعية أكثر مما تتجسّد في تصريحات ونصوص، ككراهية أهل المدن لأهل الأرياف، وكراهية أهالي الأحياء الراقية للأحياء الشعبية، وكراهية الأغنياء للفقراء .

إنّ التوصيفات السابقة ليست على سبيل التعميم المطلق، رغم أنها تعكس حالة عامة، يعرفها المجتمع وينكرها ويحظرها، قبل أن يحظرها القانون نفسه، لكن كثير المسكونين بكل أنواعها وأنواعهم الذين يكرسون جهودهم للبحث عن أدلّة تُبررها، تُساعد على تعميمها، ونشر نظرياتهم حولها، بترويجها في أمثالهم ونكاتهم، وفي غيرها من الوسائل، التي لا يمكن حصر أمثلتها وتعكس حجم الكراهية المكتومة ضد لأمازيغ،، والتي لا يكون علاجها - كما في كل الأمراض - بإغماض العين عنها، ولا بتوزيع الكلام الجميل المعسول، وخطابات الحب الكاذبة، ونماذج الاستثناءات، التي لا تشفي مرضاً، ولا تغيّر واقعاً، وإنما تعالج بالتشخيص الموضوعي الذي يتم فيه بالاعتراف بوجود الكراهية في أعماق الكارهين وسلوكاتهم ، ثم بإحلال المنطق في التفكير، وإدراك نظرية الخير المطلق والشر المطلق التي لا وجود لها، وأن كل كيان أو مجتمع له وعليه، فيه الخيِّرُ وفيه مَن هو دون ذلك، وأن من بَحث عن عيبٍ هنا وعيبٍ هناك،ليجعل منه هالة عظمى في خطاباته وبرامجه ومخططاته وأهدافه، لضرب غيره والإساءة إليه، فإنه لا شك يجد ذلك الغير لديه ألف عيب كي يبنوا عليه نظريات مهاجمته ..

خلاصة القول، أنه إذا نحن أردنا الأمن والاستقرار وصيانة وحدتنا الوطنية وحماية مكتسباتنا الاجتماعية والسياسية، ومواجهة المخاطر والتحديات، قد حان أمام الجميع، لنبذ الكراهية وتفكيك جذورها التي تتغذى عليها عمليات الإقصاء والتهميش، وكسر حاجز الجهل الذي يمكن ثقافة الكراهية من خلق التطرف والإرهاب والأزمات المتلاحقة على أكثر من صعيد، وكلما تأخرنا في القيام بمسؤولياتنا تجاه ذلك، كلما اتسع الشرخ وأصبحت نقاط الاختلاف حقائق مسلماً بها، وطغى مبدأ إن إختلفت عني في الهوية والجنس واللغة وحتى اللون، فأنت لا تستحق العيش ومن حقي مصادرة أحلامك .

 

حميد طولست

في المثقف اليوم