أقلام حرة

من يقف ضد الإستهتار بالعقل المغربي؟؟

hamid taoulostفي الوقت الذي ارتاح فيه الكثير من المغاربة لقرار وزارة الأوقاف بتوقيفه الشيخ يحيى المدغري خطيب مسجد حمزة بحي سيدي موسى بمدينة سلا عن الخطابة، على إثر خطبته التي أثارت جدلا كبيراً، وسجالاً واسعاً، وقوبلت بالرفض التام، والإدانة الجماعية من طرف أهل الريف وسائر إخوانهم المغاربة قاطبة، لخروجها عن المنطق السليم، وبعدها عن العُرف المألوف، وتشفيه فيها من الريفيين الشرفاء ومن باقي المغاربة الطيبين، الذين أهانهم بربط أحداث الزلزال الذي ضرب منطقة الريف بارتكابهم للموبقات والاتجار في المخدرات، حسب زعمه، وهو جل يعلم أن المغارب يدركون تماما أن كل شيء في الأرض وفي السماء يسير على هدي شرائع لا استثناءات فيها ولا فوضى، ولو حدث الاستثناء، لفسد كل ما في الأرض والسماء.

لكن وعلى ما يبدو، أن العحز الذي سيطر على بعض العقول البشرية، فأبقاها على طفولتها، دون أن تتطور رغم تقدم العمر والتجارب بها، مثلها في التفكير كمثل الجهلة الذي لا يزالون يؤمنون بمعظم المعتقدات الغريبة التي يرجع تاريخها إلى الأفكار التي راودت عقل الإنسان القديم الذي عاش قبلنا بآلاف السنين، والذي اعتقد أن ما يصيب الإنسان من أضرار وأمراض قد يكون نتيجة لأرواح خبيثة، أو مس من الجن، أو انتقام من الآلهة بسبب ذنوب وأعمال ظالمة، أو اختلال في طالع النجوم، أو عدم توافق في الأفلاك والأبراج، أو من عمل سحري ضار، أو أي قوى خفية أخرى كانت لها في خياله مفاهيم شتى، كما قال المفكر المغربي سعيد ناشد،

والغريب أن هذه الاعتقادات القديمة التي تنسب،مع الأسف، للدين وهو منها براء، لأنه دين العقل والحكمة لا دين الدجل والشعوذة، أنها لا تزال تعشش حتى الآن في عقول كثير من الناس، فتبدو لهم الخرافة وكأنما هي علم يقوم على أساس، أو كأنما نواميس هذا الكون الراسخة تسيرها مثل تلك الأساطير والخزعبلات، وتتحكم فيها قوى يقف العلم على حد زعمهم أمامها عاجزا، وتصل المأساة إلى ذروتها عندما نعرف بأن هذا الإعتقاد وذاك التفكير لا يقتصر على عوام الناس والبسطاء منهم، بل إن نسبة لا بأس بها من الساسة وأعوانِهم وأدواتِهم الإعلامية وغيرها، يعتقدون فيما يعتقد فيه عامة الناس، وكأنما هم نبذوا معادلاتهم ونظرياتهم وقوانينهم، وتركوها وراءهم، ليتبنوا الخرافة وخزعبلاتها، حيث تشاء المشيئة الإلهية أن يتصادف حدث الزلزال المؤلم، بتأخر تساقط الأمطار، ومن غرائب الصّدف، أن يواجه رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، خلال حضوره الجلسة الشهرية، بأسئلة شفهية تتعلق بالسياسة العامة، بتساؤلات النواب حول وضع الفلاح في ظلها، فلم يأتي رد السيد رئيس الحكومة عليها، بأحسن مما جاء به خطيب سلا، حيث ربط هو الآخر بين نزول المطر باستقامة العباد ورضى الله عنهم، وقال بأن المغاربة يستبشرون خيرا عند هطول الامطار، ويقيسون بها رضا الله عنهم، مستدلا على كلامه بقوله تعالى في كتابه الكريم “وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا" .

منطقي أن يكون لكل موقف أكثر من زاوية للنظر وأكثر من تفسير أو تحليل، وأن ينظر البعض إلى المواقف التي تمر بحياتنا اليومية ويتعامل معها ويطلق الأحكام عليها من خلال أفكار معينة، وميولات شخصية، دون أن يخطر بباله إخضاعها للتحقق من مطابقتها لواقع الحدث أو الموقف، بطريقة علمية موضوعية تمكنه من الحكم عليها بشكل سليم، لأن الحكم السليم يكون وفق المنطق السليم دون اتباع لهوى، ومن خلاله نستطيع أن نفسر ونحكم ونتصرف بشكل أفضل، أما الانطلاق من الأفكار غير المناسبة للظروف والملابسات في التعامل مع ما يمر بنا من أحداث، لاشك يؤدي إلى الأحكام الخاطئة والتصرفات الأخاطأ، التي تؤدي بدورها إلى توجيه عقول الناس عامة، والشباب خاصة، وجهة لا عقلانية، تنحو بهم إلى الانحراف الفكري عن شرائع الله في كونه العظيم، وسوء فهمها فهما صحيحا ينعكس على مشاعرهم وسلوكهم وطريقة تعاملهم مع ذواتهم وغيرهم، وبدلا من أن يسلكوا طريق العقل والصواب، يعيشون في عالم التصورات الرديئة، والأوهام المريضة، كتلك التي وردت في بعض تعليقات الفايسبوكيين على تلك الخزعبلات السقيمة، من أمثال قول بعضهم: لماذا تنعم عشرات دول شمال أوروبا وشرق آسيا بالتساقطات المطرية و الرطوبة المنعشة للأرض و للفلاحة و الماشية؟ إذن حسب منطق الخطباء وريئس الحكومة، أن أهل هذه الأراضي الممطرة مسلمون مصلون مستقيمون. و ما علينا إلا أن نترك ما نحن عليه و نتبع ملتهم و نهجهم ابتغاء مرضات الله . وكتلم التي قال فيها آخرون: أما دول الخليج التي هي على مقربة من مكة و قبر الرسول فهي تعيش في جفاف مستديم و لا ترى قطرة مطر إلا مرة كل عامين أو أكثر، و حسب نفس المنطق الخرافي فهذا دليل أنها معوجة و فاسدة و لا يصح اتباعها في شيء، دينا و دنيا.

فإذا كانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد أوقفت خطيب مسجد ‘حمزة’ بمدينة سلا، لإهانته الإنسان في شخص الريفيين، فمن سيوقف من أهان العقل المغربي، بنشره مثل هذا التفكير الخطير الذي كان سائدا عند العبريين قبل الإسلام بأكثر من 18 قرنا، والذي –للاسف- يحيه اليوم بعد 32 قرنا من تاريخ وروده في سفر ايوب الذي يعود لأكثر من 11 قرنا قبل الميلاد، ومن يعيدهم الى رشدهم، ويرجعهم عما هم ماضون فيه، فيصلحون ما أفسدوه هم لا الدهر، وإن السكوت على مثل هذا الإستهتار بعقل الإنسان المغربي، لا يدفع إلا لمزيد من الانهيارات الدينية والثقافية والتيه والضياع الفكري..

 

حميد طولست

في المثقف اليوم