أقلام حرة

لم يستمر زمن القطب الواحد كثيرا؟

emad aliلقد تشفت امريكا بمن اعتبرتهم اعدائها في مدة قليلة جدا، بعد ان اعتقدت انها القوة التي لا يمكن قهرها، واصبحت نهاية التاريخ في يدها ولا يمكن ان يخرج من بين براثنها التي تمكنت ان تمسك الكثيرين بها، ولم تدع ان يعيشوا احرارا لمدة ليست بقليلة . عاشت في نشوة انهيار الاتحاد السوفيتي، وتخبطت جراء فرحها الزائف المؤقت بعد ان اعلنت بانها متيقنة من ما تعتمده من الفكر وا لتوجه والثقافة التي لا يمكن ان يكون هناك بديل لها، وحسب توجهاتها كما يعلم الجميع . ترنحت يمينا ويسارا واستغلت فرص سانحة لها، ولكن بشكل غير سليم لما اُجبرت فيما بعد على التراجع وخضعت للامر الواقع في اقرب وقت ولم تستمر فيما وصلت اليه لاقل مرحلة ممكنة.

ان انتهاء القطب الواحد الذي سار في الطريق دون ان تكون لها محطة، وعليه انقلب على نفسه، ولا يمكن ان تعود امريكا الى الصدارة لوحدها باي شكل كانت مهما حاولت وراوغت . ولكن السؤال هو؛ من يمكن ان ينافسها في العالم من جميع النواحي السياسية العسكرية الاقتصادية وكما تعتقد هي الانسب فيها من الناحية الثقافية ايضا، على الرغم من انها لم تصل الى حال يمكن ان تفرض ثقافتها بشكل واسع في اية بقعة من العالم . الشرق الاوسط لازال في مؤخرة الركب ولا يمكن ان تبرز اية دولة ولو باقل نسبة ممكنة لتنافس الاخرين الذين خرجوا بالسرعة الممكنة من الازمات التي كانوا يرزحون تحت وطئتها، وفاقوا من غيبوبتهم اخيرا، بعدما بقوا في اخر الصف نتيجة عدم تعمقهم في التفكير و في التدبير لايجاد طريقة للخروج من تخلفهم . اليوم، الهند والبرازيل وبعض دول امريكا الجنوبية تنافس من نواحي عديدة الدول المتقدمة وهي في طريقها الى الاعتلاء على منبر ما عالميا، من النواحي الكثيرة وابرزهم يتنافسون اقتصاديا لاتخاذه معبرا للسيطرة على النواحي الاخرى . الصين وصلت لما يمكن ان نتيقن بانها لا يمكن ان تتراجع وقبلت التحدي وتنافست وبرزت ونجحت . روسيا في طورها المتنقل وتنتظر او تتربص فرصة سانحة كي تعود الى الصدارة، على الرغم من التاثيرات السلبية لما يسير عليه العالم من الاقتصاد الهاوي في اكثر من مكان . دول اوربا لازالت في مسيرها المتقدم دون منازع، وعلى الرغم من عدم تكامل ما يريده تجسيد ثقل اية دولة من الناحية العسكرية لتتوازن الحال، وتنافس من اجل الاعتلاء والتقدم باستمرار . فان اكثرية دول اوربا اصبحت في وقت ما قوة موحدة، الا انها اصبحت اخيرا في واقع اُجبرت على فك التواصل بين عدد منها نتيجة وجود التناقضات الكثيرة بينهم من الجوانب اقتصادية بالاخص، وتراجع الاتحاد الاوربي في تقدمه قليلا، وهو متوقف الان على مرتبة معينة ينتظر العودة الى السكة بعد انحرافه نتيجة التخبط الاقتصادي الذي حصل، والعالم على اليقين بان المسبب هو امريكا لوحدها لانها المستفيدة الاوحد في ذلك، بعد الانتكاسة الاقتصادية التي وقعت فيها، وتمكنت الى حد ما الخروج منها في وقت قياسي بنسبة كبرة .

الان، يمكن ان نقول بان العالم لم يستقر على قطب معين ولم تمر الاقطاب على حال يمكنها اعادة الترتيب كعملية ضرورية لحد اليوم، وننتظر حدوثه خلال مدة قريبة، كي يظهر ماهو الاهم من تحديد الاقطاب ومن يضمن كل قطب من الدول وكيف تتوازن الاثقال وتتوزع وفق المصالح المتعددة، وهذا يحتاج الى عوامل تتوفر لكل دولة كي تنتهي من اقرار ما يفديها، عدا دول تابعة او منها مارقة ومنها لا يمكنها الخروج من الخضوه لامر القطب الذي لا يمكن ان تخرج من تحت كنفه، لانها لا تملك سلطة متمكنة او عادلة كي لا تستند على القوة الخارجية، وعليه فانها مجبرة على ما هي سائرة فيه وان كانت مضرة لشعبها .

المؤكد من ما نحن بصدد بيانه، ان امريكا لم تظل كثيرا على راس القطب الاوحد التي تشدقت به وتراجعت، وهي الان في مرحلة اعادة التنظيم كي تقبل بالمنافس او المنافسين جراء تورطها في امور فرضت السرعة عايها في عملها من اجل بيان خطاها . فالقطب الواحد زال وازاح معه ما فرضه خلال اعتلاءه، اما الان فنحن في مرحلة ننتظر بيان عدد الاقطاب والمحتويات لكل منها وكيفية تنافسها من النواحي المختلفة .

ما فرض عليّ الكتابة في هذا الشان اليوم هو ما اراه من سياسات امريكا حول الشرق الاوسط، وتعاملها مع الاحداث التي فرضت عليها الكثير من التنازل، بعدما اغترت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ولم تستمع لاحد، ولكنها تواجهت مع العوائق وانكسرت شوكتها بعد الفشل المتتالي في خطواتها وسياساتها . واليوم لا يمكنها ان تفرض ما تتمناه بسهولة، وانها تواجه اليوم دولا ويمكن ان يكونوا اقطابا فيما بعد، ولكن من المستحسن لامر المنطقة، ان تعيد دولها النظر في الكثير من الامور، و ان المرحلة التي فقدت امريكا تسلطها وانفرداها لم تستمر كثيرا وهي الان تعيد قراءة ما موجود وهي متاكدة من نجاح المتنافسن لها لو تصرفت كما كانت من قبل . وعليه يمكن ان نعتبر المرحلة انتقالية من حيث التمهيد وبناء الاسس الطبيعية لتثبيت الاقطاب محتملة وهي التي تدفع بما تضمنها من الدول، والاهم هو عدم امكان امريكا من بقاءها قوة وحيدة وقطب وحيد لمدة طويلة، فلننتظر .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم