أقلام حرة

مراجعة مناهج ومقررات تدريس التربية الدينية تجديد للخطاب الديني في المغرب

hamid taoulostفي الوقت كانت فيه الطبقة السياسية، ومعها الشعب المغربي ينتظران من الملك محمد السادس، بمناسبة أشغال مجلس الوزراء الذي ترأسه بمدينة العيون، خطابا ملكيا يدعو فيه كعادته السامية بالشعب المغربي بكل قواه الفتية والحية، للتحصن بالوطنية، والتحَوُّط بها من مخاطر الانتهازية السياسية والدينية والاقتصادية، والشتات الإيديولوجي، ويدعوهم إلى الثورة على الأشكال والتقاليد السياسية العتيقة، والتحرر من ربقة فسادها المعيق للتقدم السليم، والقطيعة مع كل ما يرهن البلاد للتضعضع والتخلف والانهزامية .

فاجأهما الملك بخطاب تاريخي، نوعي في مضامينه، استثنائي في أبعاده وسياقاته، يدعو فيه المغاربة للانخراط في حركة تصحيحية حداثية ديمقراطية إنسانية نهضوية جديدة، لتجدد الخطاب الديني، وإنعاش مضامينه بالثقافة الوطنية، وانقاده مما وصل إليه من درك الصراعات العقائدية، من خلال مراجعة مناهج وبرامج مقررات تدريس التربية الدينية، التي أصدر جلالته، تعليماته إلى وزيري التربية الوطنية والأوقاف والشؤون الإسلامية، بضرورة تجديد برامجها ومناهجها التعليمية والتريكز فيها على القيم الأصيلة للشعب المغربي، وعلى عاداته وتقاليده العريقة، القائمة على التشبث بمقومات الهوية الوطنية الموحدة، والغنية بتعدد مكوناتها، وعلى التفاعل الإيجابي والانفتاح على مجتمع المعرفة وعلى مستجدات العصر، بعيدا عما عرفته تلك البرامج والمناهج من تلقيم النشئ الصاعد - من دون نقاش ولا حوار أو سؤال- في جميع الأسلاك التعليمية، سواء في المدرسة العمومية أو التعليم الخاص، أو في مؤسسات التعليم العتيق - كل ما حشيت به كتب التربية الإسلامية المقررة، في بلادنا وفي البلاد العربية الإسلامية، بما يسمى آيات السيف والجهاد، وكل ما دسته فيها الأهواء السياسية والأغراض المادية، من دسائس، وأكاذيب، وترهات وخرافات، وآراء ومواقف وأحاديث القتل والتربص، والإرغام، المعارضة لمعنى وروح الذكر الحكيم، والمسيئة للعقل والتمدن والحضارة، والإنسانية البريئة .

الأمر الذي سيجعل المدرسة المغربية تنحو، بدون شك، في اتجاه إعطاء أهمية أكبر للتربية على القيم الإسلامية السمحة ويجعلها تستعيد عافيتها - التي تراجع الاعتناء بها، وخبا إشعاعها في العقل الجمعي المغربي - وتتمنع بغطاء إيديولوجي وبيداغوجي، يستظل بأنوار التسامح والتعايش، ويسترشد بمختلف الثقافات والحضارات الإنسانية، ما يمكن المغرب دولة ومجتمعا، من العبور نحو تبوأ مكانة رفيعة في مصاف الأمم الراقية، ويحصنه في الحقبة الحضارية الاستراتيجية القادمة، مما ألم بالوطن العربي من كوارث جراء سقوط الدين في عفن تناسل العقائد الشاذة، الموغلة في التطرف والانعزالية، والعرقية، والطائفية، والدينية، والإرهابية، والتكفيرية، التي شغلت الشعوب بلغط شكليات المسائل الدينية التي لا مقام لمقالها، غير صرف أنظار الناس عن ثراء دينهم الإسلامي الحنيف ومميزاته الربانية الواسعة، بركام الأفكار والمعتقدات الخاطئة والمحرفة، المعززة بالأحاديث السقيمة المشبوهة المدسوسة، التي يستدل بها واضعوها من المغرضين المنتفعين سياسيا وماديا، لتغدية الإرهاب بالمرجعية الدينية، رغم تعارضها جملة وتفصيلا مع الكثير من الآيات القرآنية في دلالاتها ومجالاتها ومقاصدها، والتي نجد عددا مخيفا منها {الأحاديث} في ما وضعه البخاري بين دفتي صحيحه، وابن ماجة والنسائي والترمذي، والإمام أحمد بن حنبل والإمام مسلم وأحمد في مسنده، وما أورده غيرهم من الذين اشتغلوا بالسنة والإجماع وعليهما.

كم نتمى صادقين أن يكون كل من وزيري التعليم والأوقاف في مستوى الحدث العظيم الذي إنتظرناه طويلا .

 

حميد طولست

في المثقف اليوم