أقلام حرة

الدول المضيئة والمعتمة!!

الدول إما مضيئة أو معتمة، وأبناء الدول هم الذين يقررون ذلك، فالدول المعتمة  تمتص أشعة الضوء، ولا تمتلك القدرة على عكس شعاع واحد منها، وتعيش خامدة هامدة، وفي موضات هذا الزمان المتأسد صارت تسمى بالدول الفاشلة أو المحطمة، وإن شئت الدول المقهورة المستلبة المستعبدة المحكومة بالدمى.

الدول المعتمة لا تنتج طعامها ولا تصنع حاجاتها ولا تبتكر أسلحتها، وتبقى عالة على الدول الأخرى في كل شيئ حتى تقرير مصيرها، فهي بلا سيادة ولا قيادة ولا حاضر ولا مستقبل، إنها دول متحللة تدور في مراجل الإتلاف الحضاري والخراب الإمحاقي.

وهذه الدول كعجينة يتم تشكيلها وفقا لإرادة المصالح والمطامع، والتطلعات والبرامج والمشاريع المرسومة في غياهب موائد الإفتراس اللذيذ المتوحش، الموشحة بالمُثل والقيم الإنسانية، وعليها يُلتَهم الأحياء بلا رحمة أو رأفة.

والعجيب في الدول المعتمة أنها لا تستطيع التمييز بين ما يضرها وينفعها، وتتحرك وفقا لردود أفعالها السقيمة المكلوبة لتحقيق أهداف وتوجهات المفترسين.

وفي العتمة الموجود يتعفن ويتفسد وتفوح منه روائح كريهة مقرفة، وهذا ما يدور في رحاب الدول المعتمة، التي تأسّن وتعفن فيها ما يمت بصلة إليها.

أما الدول المضيئة فتشع وتتوهح وتسعى نحو إنارة أكبر مساحة حولها، وتبعث الأشعة الضوئية وتعكسها ولا تمتصها، وفيها قدرات عالية لتوليد الأنوار، وإضاءة دياجير الخيال وزوايا الوجود الخابتة.

إنها دول قوية متقدمة، مخترعة مبتكرة لا تحتاج لغيرها بل الغير بأمس الحاجة إليها، ويعتمد عليها في بقائه والشعور بتواصله مع العصر.

إنها الدول التي تقرر مصير المسيرة البشرية، وتحدد معالم المستقبل، وترسم خارطة الصيرورة الأرضية بثقة وشجاعة وإقدام.

إنها دول متوثبة متحفزة، تملك إرادتها ومصيرها وطعامها وسلاحها وعقولها، وتستثمر في الطاقات الموجودة عندها، وتستولدها قدرات أصيلة ومبتدءات كبيرة ذات قيمة حضارية سامقة.

هذه الدول المضيئة تصنع الحياة، وتؤسس لآفاق المستقبل والرجاء، وتمنح بعض أنوارها للدول المعتمة، التي لا تعرف إلا الإمتصاص، وتعجز عن الإنعكاس الضوئي والإنبعاث التنويري.

وبين الدول المعتمة والمضيئة مسافات رمادية، يحاول الضوء أن يتسلل إليها، لكن المستلطفين للعتمة يشعرون بالتهديد والخطر، فيجابهون كل نور حميد.

ولا يمكن للدول المعتمة أن تمارس الحياة، إلا عندما تتعلم التعايش مع النور وتعشق الشمس، وتؤمن بأنها منبع أكون!!

 

د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم