أقلام حرة

محنة حيدر العبادي أين تكمن؟

qassim salihyطالب السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي من البرلمان (السبت 20شباط 2016) بتفويض عام لتغيير وزاري شامل وتشكيل حكومة تكنوقراط (مهنية واختصاص). وقال: (يجب تغليب المصلحة العليا للبلد على المصلحة الكتلوية). ودعا الكتل السياسية الى (التنازل عن استحقاقها الانتخابي من اجل العراق).

 ولقد توجهنا باستطلاع تضمن الاسئلة الآتية:

 ان مطلب السيد حيدر العبادي ودعوته..وطنيان وجماهيريان..ولكن:

• هل سيتحقق ذلك؟

• وعلى افترض يتحقق،  هل سيختار وزراء تكنوقراط مستقلين وينهي المحاصصة؟

• واذا كان صادقا في مطلبه فهل هو صادق في دعوته؟

• أم ان ما يجري هو اسقاط فرض او تلهية وتخدير او مشهد عن مسرحية سياسية مضى على عرضها اثنتا عشرة سنة؟

مع ان بين المستجيبين من افترض حسن النية في السيد العبادي وأنه صادق في اجراء تغيير وزاري شامل، فان المستجيبين اتفقوا ان دعوته لتشكيل حكومة تكنوقراط لن تتحقق، وعزو السبب الرئيس الى ان الكتل السياسية ستحول دون تشكيل تلك الحكومة، لأنها ستخسر مصالحها وتفرط بمناصبها في الدولة وبالآتي من المكاسب، فيما راى آخرون أن حزب الدعوة الذي ينتمي اليه العبادي غير صادق في دعوته الى التغيير، لأنه سيكون اكبر المتضررين.ورأى فريق آخر أن الرجل عاجز عن تحقيق ما يدعو اليه ، وان ما طرحه في البرلمان متأت من احساسه العميق باصرار الشارع العراقي هذه المرة على التغيير وموقف المرجعية التي (بح صوتها)، وكان رأي الفريق الأخير ان ما يجري ليس سوى اسقاط فرض لامتصاص غضب الشارع وتلهية وتخدير ومشهد من مسرحية بائسة وفاشلة.

 واللافت ان الغالبية المطلقة من المستجيبين يائسة من امكانية التغيير، وان حصل فانه سيكون تدوير كراسي بينهم ليس الا، فيما ذهب آخرون الى القول بأنه حتى في حال تشكيل حكومة تكنوقراط من مستقلين فأنها لن تستطيع اصلاح خراب شامل،  لان ساسة العراق البراغماتيين والحمقى واللصوص وعديمي الوطنية نهبوا ثروة البلد ودمروه وادخلوه في نفق معتم، ولن يستطيع وزراؤها العمل مع وجود الحاضنة التابعة للاحزاب الطائفية والعرقية، وأنه سينتهي بفشل أكيد تعمل الكتل السياسة على احداثه لتقول للناس:(ها شفتو..التكنوقراط ما دبروها) ليعيدوا المحاصصة بسلطة اقوى، فيما رأى المتفائلون ان الحل الوحيد يكون بقيام السيد العبادي بثورة او انتفاضة لانقاذ العراق وشعبه مما هما عليه من خراب فاجع ومستقبل مخيف.

 وفي رأينا ، ان المحنة التي يعيشها السيد حيدر العبادي بوصفه المسؤول الأول في الدولة تكمن في شخصيته هو برغم ان الكتل السياسية هي السبب في انتاج الأزمات بضمنها الأزمة الحالية.ومع ان انقاذ العراق وشعبه والعملية الديمقراطية تحتاج من رئيس وزرائه الى قرار حاسم وشجاع، ومع يقينه بأن الكتل السياسية لن تمنحه التفويض الذي يمكنه من احداث التغيير ، الا انه غير قادر على اتخاذ قرار لسببين رئيسين:

 الأول:انه ينتمي لحزب سياسي فيما المجتمع العراقي ينفرد بتعدد مكوناته وتنوعها وتعدد احزابه واختلافاتها المتضادة من الاسلامية المتطرفة الى العلمانية والماركسية التي تحتاج الى رئيس وزراء مستقلا سياسياً..متحرراً من القيود الحزبية. وعقدته هنا تكمن في خشيته انه اذا تخلى عن حزبه وكتلته فأنه سيكون مكشوف الظهر للصدريين والمجلسيين.

والثاني:سيكولوجي خالص.ففي آب 2015 كتبنا مقالة في الصحف ومواقع عراقية بعنوان (حيدر العبادي..هاوي بس ما ناوي)..ختمناها بالقول " ان قراءتنا السيكولوجية للسيد حيدر العبادي هي انه لم يستثمر فرصة تاريخية تجعل منه رجل دولة وبطلا شعبيا.ولأنه اضاعها، فانه سيعود الى سابق وضعه..بعد ان اوصل الناس الى قناعة بأنه (هاوي..ولكن ما ناوي). وجاءت مصداقية تشخيصنا المبكر في حينه بتوكيد المرجعية الموقرة في كانون الثاني 2016 بقولها انه اضاع فرصة تاريخية قد لا تتكرر، وانتهت أخيرا بأن خذل طلب المرجعية وأضطرها الى أن تنأى بنفسها عن سياسيين بح صوتها من مطالبتها لهم بالاصلاح والضرب بيد من حديد على الفاسدين.

 ومع يقيننا بأنه صادق في دعوته الكتل السياسية الى (التنازل عن استحقاقها الانتخابي من اجل العراق)، فأنه يعلم انها لن تستجيب.. ما يعني انه سيعيش (صراعا) بين ثلاث حالات: التماس التبرير لنفسه بتحمييل الكتل السياسية ما سيحصل وتبرئة الذات، والتمني بحصول تنازلات تمكّنه من اجراء تغييرات، والتفكير بالتخلي او تجميد عضويته في حزب الدعوة ودولة القانون والعودة الى التفويض الذي منحته له اكبر قوتين:الشعب والمرجعية الدينية..وتلك هي محنته!.

   

أ.د.قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم