أقلام حرة

الذين يحكمون العراق اليوم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

الذين يحكمون العراق اليوم والذين سيأتون بعدهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون لسببين أثنين:

1-   ذهب زمان الانقلابات العسكرية في العراق مع احتلال الأمريكان لهذا البلد عسكريا وإسقاط النظام البعثي الصدامي في 2003، ثم سياسيا، بعد انسحابهم عام2011، ثم سياسيا وعسكريا اليوم بعد عودة القوات الأمريكية إلى العراق تحت لافتة المستشارين والخبراء والمدربين لمساعدة العراق في مواجهة تنظيم (داعش.) الأمريكان لا يحتلون العراق عسكريا وسياسيا اليوم، بل وأيضا، يتولون الوصاية على العراق بالنيابة عن الأمم المتحدة. وتحت ذريعة النظام الديمقراطي الجديد الذي جرت على أساسه أول انتخابات عام 2005 وما تلاها، فإن أي محاولة انقلابية عسكرية على غرار الانقلاب الثوري العسكري في 14/تموز/1958 الذي أسقط النظام الملكي، لن تنجح اليوم لإسقاط نظام الحكم الذي يشترك فيه الشيعة والسنة والأكراد والذي تسبب في دفع العراق وشعبه إلى حافة الهاوية الأمنية والاقتصادية وحتى الاجتماعية. فالأمريكان لن يسمحوا لأي انقلاب عسكري في العراق بالنجاح وقيام نظام حكم جديد يخلص العراق والعراقيين من هذه المجموعة الحاكمة من الفاسدين على مستوى اللصوصية والاختلاس والرشاوى والفاشلين على مستوى الحكم على مدى 13 عاما. ليس الأمريكان فقط بل والأوربيون لن يقبلوا بنجاح أي انقلاب عسكري، والجميع سيحتج ان النظام القائم نظام منتخب من قبل الشعب، وسيتحدون في عدم الاعتراف بالنظام الجديد دوليا، وليس من المستبعد أن يتدخل الأمريكان عسكريا ويعيدوا احتلال بغداد وإعادة النظام الحاكم الذي يقود العراق والعراقيين إلى هاوية الانهيار الأمني والاقتصادي وحتى الاجتماعي، ويسحقوا الانقلابيين العسكريين.

2-   لا ينتظر احد أن يقوم العراقيون بثورة شعبية لا يتدخل فيها العسكريون على غرار الثورات الشعبية التاريخية مثل الثورة الفرنسية عام 1789 والبلشفية عام 1917 والثورة الكوبية عام 1959 والثورة الإيرانية عام 1979 والثورة المصرية عام 2011. إن أقصى ما يمكن أن يذهب إليه العراقيون في رفضهم لما يجري في بلدهم من مآسي وكوارث، أمنية من إرهاب وقتل وعنف واختطاف، واقتصادية من فساد مالي وأداري، واجتماعية من تردي خدمات أساسية، إلى بنية تحتية بائسة، إلى فقر، إلى بطالة، إلى تشريد الناس وتهجيرهم من مدنهم بسبب الإرهاب، إلى تردي أخلاق الشباب، (ليس كل الشباب،) إلى انتشار بيوت الدعارة السرية، إلى تفشي حالات الطلاق بين الأزواج، إلى النزاعات العشائرية المنفلتة، إلى ازدياد حالات العنف ضد المرأة، إلى ضعف القانون...... أقول، أن أقصى ما يمكن أن يذهب إليه العراقيون ... هو أن يتظاهروا في ساحة التحرير تحت نصب الحرية بالمئات أو قل بآلاف قليلة سرعان ما تتناقص مع الأيام ويذهب كل في طريقه لتدبير معيشته هو وعائلته في هذا الزمن الصعب. وحتى هذه المظاهرات التي اختلطت فيها الغايات السياسية مع الأهداف الاجتماعية والإصلاحية غير المسيسة، والتي اتسمت، تبعا لذلك، بالتشتت والاختلاف وعدم الوحدة في المطالبات، وأيضا افتقادها إلى قائد يقودها ويتقدمها ويفتح صدره لأي تصدي لقوات الحكومة في التعامل معها بعنف ... أقول، حتى هذه المظاهرات اخترقتها تجمعات من كتل وأحزاب سياسية فاسدة ركبت الموجة من اجل التستر خلف هذه المظاهرات ودفع الشكوك حول فسادها ... وما عادت هذه المظاهرات اليوم ذات تأثير وضغط على الحكومة الفاسدة.

والحال هذه، فإن الذين يحكمون العراق اليوم أو غدا أو بعد غد لا خوف عليهم ولا هم يحزنون من أن تدور الدائرة عليهم ويُطاح بهم ، فلا من يحكم العراق اليوم عسكريا وسياسيا والوصي عليه يسمح بأي انقلاب عسكري كما كان يحدث في الماضي، ولا العراقيون قادرين على القيام بثورة شعبية لا يتدخل فيها العسكر على غرار الثورات الشعبية عبر التاريخ، تَطيح بهؤلاء الفاشلين الفاسدين من الشيعة والسنة والأكراد الذين يحكمون العراق والعراقيين اليوم أو غدا أو بعد غد على أساس نظام المحاصصة المقيتة.

وفي القرآن "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم." واعتقد انه من الصعب أن يغير العراقيون ما بأنفسهم، وسيبقون ينتظرون، كما اعتادوا، يوما يأتي فيه احد ليغير لهم مايتظلمون ويشتكون ويتذمرون منه، وعسى أن يأتي هذا اليوم في القريب!

 

احمد العلي

 

في المثقف اليوم