أقلام حرة

احتجاجات"أساتذة الغد" رسالة لأصحاب القرار !!

hamid taoulostليس ما قام ويقوم به "أساتذة الغد " كما يسميهم البعض، من احتجاجات سلمية وحضارية، هي من أجل  استرجاع دريهمات إنتقصتها الحكومة من منحتهم المسحوقة أصلا، بإصدار وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني مرسومين اثنين في حق الأساتذة المتدربين الملتحقين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين لهذا الموسم الدراسي 2015-2016 وتمت المصادقة عليهما من قبل المجلس الحكومي، والمتمثل في المرسوم 2ـ15ـ589، والذي تم بموجبه تقليص منحة الأساتذة المتدربين إلى النصف،  وليس من أجل الوظيفة المدغدغة للعواطف -في وقت شحت فيه الوظائف - كما يمكن أن يتبادر إلى بعض الأذهان المشوشة التي تعتبر أن ذاك هو أهم مطلب للمعلمين، والذي لا عيب فيه حتى ولو كان كذلك، لأنه حق وليس هبة أو تبرع من أي من كان،  والذي نظم للوجها في سلك الوظيفة العمومية لقطاع التربية والتكوين، بالمرسوم 2ـ15ـ588 الذي يقضي بفصل التكوين عن التوظيف. 

وإنما هي احتجاجات على ما وصل إليها مربو الأجيال، عامة، من وضع معيشي بئيس،وأحوال اجتماعية صادمة، تناثرت معها كرامة المعلم بين ضنك العيش وشظفه المعيشة، وبين الأوضاع المثقلة بالهموم والقضايا المجتمعية أثرت على نسق حياته، التي غدا معها يجرّ أحمالاً ليست من مسؤولياته لم تعهدها الأجيال السابقة، حيث كان يتمتع بالهيبة والجلال، الذي لم يستطع أن يرقى إليهما آنذاك، لا صاحب مال أو ذا أمر أو قوة، قبل أن تتضافر ضده، الأسباب والظروف مع بعضها، لتنتج شكلاً وصورة مغايرة للمعلم، مخالفة لذاك الذي قال فيه شوقي، -في قصيدته التي يحفظها كل من دخل مدرسة وحتى من يدخلها قط تعلم فيها- قم للمعلم وفّه التبجيلا، تلك الصورة، التي ذهبت عنها الهيبة، وتراجعت منها القيمة، وجعلته يترتب في مؤخرة السلم الاجتماعي، وتفقد معها مهنته ورمزيتُها، التي هي من رمزية وقيمة البلاد وقوتها ومقوماتها، ولم تعد تَفْضُل الكثيرة من المهن المتميزة،  وأصبحت أجرته في مؤخرة سلّم رواتب المهن، ما ترك أثراً سلبياً انعكس على مستواه الاجتماعي والمعيشي الذي يعاني من ارتفاع السلع وأجور البيوت، ودفع بالمجتمع للإعلان عن تضامنه الكامل معه، في شخص الأساتذة المتدربين، ودعمهم لقضيتهم، من خلال التصريحات المختلفة عبر وسائل الإعلام ومواقع التوصل الاجتماعي بالتعبير اللفظي والمشاركة في الوقفات والمسيرات الاحتجاجية التي شهدتها وتشهدها جل المدن المغربية الداعمة والداعية لإنصاف المعلم وكفايتَه مؤونته وكرامتَه؛ كما هو حال المعلم الياباني الذي يحضى بإجلال وتقدير كبيرين في جميع طبقات المجتمع حتى أنه قديماً كان يصل إلى حد التقديس خلال حكم ميجي وفترة ما قبل الحرب، هذا الإجلال والتقدير الذي انعكس دون شك بكل إيجابية على المواطن والوطن، كما يبين ذلك رد إمبراطور اليابان عندما سُئِل عن أهم أسباب تقدم دولته في هذا الوقت القصير قال :بدأنا من حيث ما انتهى منه الآخرون وتعلمنا من أخطائهم وأعطينا المعلم حصانة دبلوماسي وراتب وزير، الأمر الذي ذكرني بالمقولة المزلزلة التي ردت بها المستشارة الألمانية على طلب القضاة والأطباء والمهندسين بمساواتهم بالمعلم  حيث قالت: "كيف أسويكم بمن علموكم"

برأيي المتواضع، أن احتجاجات "أساتذة الغد" إنما هي رسالة إلى أولي الأمر وأصحاب القرار، وإلى المؤسسات المجتمعية وأهل الحكمة والرأي في البلاد، لتنبيههم إلى أنه إذا لم تَعد لمهنة التعليم رمزيتُها وقيمتها التي هي من رمزية وقيمته المعلم، الذي هو رمز الأمة وقوتها وقيمتها، والتي وصلت إلى أدنى مستوياتها،فلا شكّ في أنّ البلاد ستبقى تعاني من التدهور المعيق لأي تطور أو أي قدم .

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم