أقلام حرة

تعقيب على مقالة الأستاذ عمر صديق

hamid taoulostأولا وقبل كل شيء، أدعوكم الأستاذ عمر المحترم للاتفاق  على أن النقد عملية تقويمية نبيلة إيجابية، تساعد على الابداع والتفوق والمزيد من النجاح والتقدم، وأنه ليس كل من انتقد أحدا هو بالطبيعة يكرهه، لقد قرأت أيها الأستاذ مقالتكم المنشورة بمواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 5/3/2016  تحت عنوان: "لغات التدريس نقاش الهوية وتحديات التنمية"، فوجتدها تتحد وتتشابه وجل الكتابات المتماهية مع بعض الأطروحات المنحازة، ضمن دوامة التجاذبات الكثيرة، وتتفق كلها حول  محور أساسي واحد يعتمد على نشر المغالطات الخطيرة، كالتي حملتها مقدمكم غير البريئة التي قلتم فيها: " لا جدل أن المغرب بلد عربي، وهذا معطى تحكمه السياسة وتؤطره الجغرافيا، إضافة إلى إقراره اللغة العربية  في دستوره كلغة رسمية أولى " اولتي لاشك أنها لم تصدر من فراغ أو دون سبب، لما حملته من التأويلات، لا يمكن أن نلغى عنها ظلال الانحياز لتوجه بعينه، غايته إزاحة وتغييب واقصاء الآخر المختلف، والنيل من قيمه الهوياتية والغوية والسياسية والبشرية والحضارية.

الأستاذ الكريم، إن قولكم بعروبية الدولة المغربية، لا يحمل في طياته أية مظاهر للإثارة أو الاستفزاز أو شيئا من هذا القبيل فقط، بل إنه يخالف الحقيقة ويزور التاريخ، وذلك لأن المغرب ليس دولة عربيا، وأن أيا من دساتيره لا يقر بهذه الصفة، وثمة ما يعضد هذا الطرح ويتيح التأكيد على أن المغرب من الوجهة الدستورية ليس دولة عربية، وذلك لأن كل دساتيره بصيغها المختلفة لم تركز على البعد العربي، وإنما ركزت على الأبعاد الثلاثة :البعد الإسلامي والبعد الإفريقي والبعد الشمال الإفريقي  والبعد المغرب الكبير، حيث نجد أن دستور 1960 ينص على أن المغرب" دولة إسلامية ذات سيادة كاملة وأنها جزء من المغرب الكبير، وبصفتها دولة إفريقية فإنها تجعل من بين أهدافها تحقيق الوحدة الإفريقية" وهي العناصر ذاتها التي تضمنتها صيغة دستور 1970، و1972، غير أنه في صيغة دستور 1992 و 1996 أضيفت صفة " العربي" للفظة المغرب، وهي "جزء من المغرب العربي الكبير"، وتم الاستغناء عنها في دستور 2011 الذي أقر بتنوع مقومات الهوية الوطنية للمغرب، وتفاعل وانصهار مكوناتها المختلفة، العربية والأمازيغية والصحراوية الحسانية والإفريقية والأندلسية والعبرية والأندلسية والمتوسطية.

فالمغرب أيها الأستاذ، عمليا ليس دولة عربية، والفقرات التي تسرَّب إليها وصف "العربي" لا يمكن اعتمادها مرتكزا حاسما لتأكيد أو تثبيت الانتماء العربي للمغرب، فقد تكون أملتها المتغيرات والأوضاع السياسية التي واكبت علاقات المغرب مع محيطه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الإقليمي والدولي، والمقارنة مع دساتير دول عربية يدعم هذه الخصوصية التي حافظ عليها المغرب، والتي اتسعت دائرة انتماءاتها مع دستور 2011 لتشمل مقومات عديدة متكاملة ومتضافرة تتوحد في النهاية لتجسد الكيان التاريخي للأمة/ الدولة المغربية بحيث لا فضل لهوية على أخرى إلا بمدى تفاعلها وانخراطها الكلي في صناعة وبناء هذا الكيان .

أما قولكم: "من هنا نرى أن اختيار اللغة العربية ليس أمرا تفضيليا بل  قضية أساسية فحواها الاستمرار ضمن فلك الوجود العربي إن لم نقل الهوية العربية"، والذي حاولتم به إثبات عروبة المغرب، صحيح أيها المحترم أن كل الدساتير المغربية تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمغرب، لكن ذلك لا يعني البتة وبالضرورة الانتماء للأمة العربية، لأن اختيار اللغة العربية كلغة رسمية قام نتيجة عوامل تاريخية وحضارية واجتماعية متباينة أهلتها لتنهض بهذا الدور، مع أن موقعها داخل سيرورة المجتمع المغربي وهياكل الدولة يؤشر إلى أنها لا تحمل أي طابع رسمي أمام سطوة وهيمنة اللغة الفرنسية التي تبدو عمليا هي اللغة الرسمية الفعلية، وأمام المنافسة القوية للغة الأمازيغية واللغات الدارجة لها على مستوى دورات الحياة اليومية والتواصل اليومي، فلماذا تريدون أن يفقد المغرب هويته، ويصبح دولة بهوية عربية، لمجرد أنه إتخذ من العربية لغته الرسمية، ويكون مصيره كمصير بلدان الشام مثل سورية ولبنان والأردن وجنوب العراق، التي فقدت هويتها الأصلية، السريانية والآرامية والأشورية والكلدانية والفينيقية والكنعانية، لتصبح، وبصفة دائمة ونهائية، ومنذ أن غزاها العرب أثناء الفتوحات الإسلامية، بلادا عربية وبهوية عربية ؛ وكما حصل لجزء من البلاد البيزنطية الرومانية، بما فيها أجزاء من الأراضي البلقانية،  بعد أن استولى عليها العثمانيون ابتداء من القرن الرابع عشر، لتصبح منذ ذلك التاريخ، وبصفة دائمة ونهائية، أرضا تركية ذات هوية تركية، فلماذا لم تصبح المكسيك دولة إسبانية رغم أنها تتحدث اللغة الإسبانية ؟ وما المانع في أن يبقى المغرب مستقل الهوية عن العرب رغم تحدثه بالعربية، كما هو حال هوية بلدان أميركيا الجنوبية المستقلة عن هوية إسبانيا، رغم ما يجمعهما من روابط لغوية ودينية وثقافية وعرقية وتاريخية كثيرة، فلماذا ستكون إذن هوية المغرب هوية عربية، مع أن عدد العرب الذين استقروا بشمال إفريقيا أقل بكثير من عدد الإسبان الذين استقروا بأمريكا الجنوبية، فضلا على أن مدة احتلال إسبانيا لأمريكا دام أربعة قرون في حين أن احتلال العرب لشمال إفريقيا لم يتعد 70 سنة، كانت كلها معارك ومقاومة ومواجهات؟ كما قال محمد بودهان، فلا تمسخوا أيها الأستاذ الجليل هوية المغارب الأمازيغ  وما وصلوا إليه من ثقلٌ الموروث الإسلامي والتراث الأدبي العربية المميز، وتفكيرهم الخاص، الذي برز جليا في إسهامات ابن حزم، وابن رشد، وابن طفيل، و ابن رشيق، وابن خلدون، ومحي الدين بن عربي، واعلموا أستاذي أن التاريخ كاذب، وأن التاريخ منافق، يزوير جميع الأحداث لصالح الأقوياء ..

شكرا للأستاذ عمر، واتمنى ان يتقبل برحابة صدر، ويعرف أن ما كتبت ليس بالأمر الشخصي، وما بيني وبينه إلا كل ما هو خير..

 

حميد طولست

 

 

في المثقف اليوم