أقلام حرة

بناء أعوج لمفهوم خاطئ

nabil ahmadalamirإن المتابع للإحداث السياسية العراقية منذ لحظة الدخول الأمريكي للعراق وسقوط الصنم ، يتبين له بأن تلك الإحداث كانت ومازالت أكثر تعقيداً نظراً لتقاطع القضايا السياسية المتسارعة التي تساعد على احتقان المشهد السياسي المتحرك بين غرف السياسيين . . .

كما أن الأداء السياسي المتعثر لهواة السياسة وضعف الأداء الخدمي بالعراق ، وقلّة الوعي المجتمعي ، جعل من السلطات الثلاثة غير مؤهلة جدياً في النهوض بالواقع العراقي المرير .

والسبب يعود (كما نرى) إلى أصل البناء الخاطئ في النظام السياسي الجديد , الذي ساهم الاحتلال الأمريكي بقيامه على أسس طائفية وقومية ومناطقية . . .

فضلاً عن تهميش الكفاءات والطاقات العراقية التي كان المفروض بها أن تساعد جدياً في بناء العراق حسب مفهوم الدولة المدنية الجديدة .

ولكن يبدو ان القوات الأمريكية حسبت المسائل السياسية بشكل دقيق وزرعت المفخخات السياسية بصورة يصعب على الآخرين تفكيكها , وإن أستطاعوا على سبيل الفرض سيكون الثمن غالياً .

 

فالتجربة السياسية في العراق الجديد اعتمدت على مبدأ المحاصصة والمشاركة في بناءها السياسي ، وعلى الترضية والصفقات السياسية في التعاطي مع القرارات ، أكثر مما تعتمد على القانون والدستور الذي يضمن حقوق الآخرين , وتنظم العلاقة بين المكونات المجتمعية  والسياسية والإدارية .

وهذا البناء الهش كان يُراد به التأزّم المزمن والمستديم للمشهد السياسي على أن لا ينهض العراق كدولة مهمة ورائدة في المنطقة العربية سياسياً وعسكرياً كما كان بسابق عهده .

وهذا السيناريو هو واقع رَسَمت ملامحه دول الجوار الإقليمي والدولي على مائدة التآمر المشترك ، وقد ساعد على تنفيذه عدة عوامل داخلية . . منها سياسية واجتماعية ودينية وإعلامية ، فضلا عن ضعف الشخصيات السياسية العراقية التي تريد الوصول للسلطة والثأر بها على المبدأ الميكيافلي "الغاية تبرر الوسيلة".

ولا يخفى على الإنسان العراقي أن أغلب القوى السياسية تتعاطى بشكل علني وسري مع دول خارجية إقليمية وأجنبية تمثل أجندات داخل العراق لتنفيذ سياساتها , وللأسف شكلت تلك القوى والأحزاب واجهات سياسية مصبوغة بصبغات طائفية وقومية , وهي لا تمثل الحد الأدنى من الحس الوطني العراقي ولا تكترث بالدم العراقي ولا بهموم المواطن ومقدراته وثوابته الوطنية .

 

فالمراقب السياسي للشأن العراقي يتوقع بشكل جلي أن المشهد العراقي يخضع إلى متغيرات دراماتيكية تعتمد التناحر أساساً وركناً في التعاطي مع كل الإشكالات التي تعترض العملية السياسية .

وما نراه اليوم من تحديات سياسية وأحداث متسارعة هي غيض من فيض في المشهد السياسي والأمني المتزاحم بالإحداث والمتدافع بالاتهامات والتشكيك والتسقيط من كل طرف لكل طرف داخل أطار السلطات السياسية الحاكمة .

وهنا نود الإشارة الى أن هناك مفهوم خاطئ للبناء السياسي في الدولة العراقية وبجميع سلطاتها ، والذي بلا شك أنه لايمكن أن ينتج للعراقيين دولة مدنية تتخذ القانون سيادة عليا ودستوراً لها . . لان عندما يتّخذ البناء السياسي لأي نظام جديد من المبادئ المدنية شعار له ويعتمد على مفردات حقوق الإنسان في بنود دستوره . .  لكنه واقعاً لم يُسلّم بها في التعاطي مع جميع قضايا المجتمع السياسية والأمنية ولم يعتمدها الساسة في سلوكهم السياسي ، فإن تلك المفردات تُعتبر ثرثرة فوق الورق لاقيمة لها ، ونفاق سياسي وتسويف لعقول الجماهير  .

والله من وراء القصد

 

 

د. نبيل أحمد  الأمير

في المثقف اليوم