أقلام حرة

لحظة متعة وهناء أفسدتها السياسة !!

hamid taoulostما أجمل لحظات اللقاءات المشرقة بنسائمها المريحة للنفوس المتعبة، وبما تبثه فيها من الأُنس والسعادة، ما أجمل أن أجتمع بثلة من الأصدقاء والمعارف القدامى الذين ترتاح لهم القلوب، لنرتشف معهم كؤوس القهوة أو الشاي، وننتقي أطيب وابهى ذكريات حينا الشعبي "فاس الجديد"، حيث كنا نمضي اليوم راكضين بين أزقته المتعرجة الضيقة، ونتجول في شوارعه -عفوا لم يكن به إلا شارع واحد كبير، يخترقه من باب السمارين إلى طالع أو هابط حيث "المشور السعيد القصر الملكي- التي اعتدنا أن نتفرج على الخضارة القادمين صباحا بكميات من الخضر لبيعها في السوق البلدي "المارشي" أو في طالع أو هابط، ونستمع بمنظر تجاره وهم يرشون الماء أمام محلاتهم، لجلب الرزق -كما  أخبرني بذلك والدي رحمة الله عليه، لما سألته عن سبب ما يفعلون – أو نتلذذ بعباسية إسفنجي باب الكارة .

أصدقاء ربطتني بهم، مند كنت صغيرا، لم يتجاوز عمري حينها التسع سنوات، علاقة ود واحترام وطيدين، كتلك التي ربطت ساكنة الحي والتي كانت بالفعل وطيدة رغم اختلاف مستويات العوائل وظروفها، الشيء الذي جعل القلوب آنذاك مطمئنة، تملؤها المحبة المتبادلة، وترسم على السرائر أعذب صور المودة والاحترام، حيث كنا نعتبر كل بيت من بيوتات الحي بيتا لنا، وكل رجل من رجاله عم من أعمامنا، وكل امرأة من نسائه الطيبات خالة من خالاتنا .

لحظة هناء لم ترضخ للظروف المفرقة، جمعتنا الأقدار لنعيش متعتها، بين تبادل الضحكات البريئة على نكات بعضنا وطرائف رجالات حينا، لم تكدرها غير همسة ماكرة نحت بحديثنا جهة السياسة المحلية المتعلقة بتسيير الشأن العام بمجلس جماعة الحي على وجه الخصوص، والذي شرفت قبل سنوات بأن كنت مستشرا في أول مجلس له، تلك الهمسة، أو الشهقة المتألمة لمستشار جماعي بمجلس المشور فاس الجديد، الناتجة مما يعيشه المنتخب من مشاكل خطيرة مع أحد الموظفين الذي يقوم بمهام مدير الجماعة، الذي بلغ به انتهاك القوانين، التي من المفروض فيه احترامها - امثتالا لتعليمات ملك البلاد، وطبقا للدستورها، وخضوعا لنصوص المنظمة للعمل الجماعي، الوارد في المادة 126 من مسودة القانون التنظيمي للجماعات على أنه «يساعد المدير العام أو المدير، حسب الحالة، رئيس المجلس في ممارسة صلاحياته ويتولى تحت مسؤولية الرئيس ومراقبته، الإشراف على إدارة الجماعة، وتنسيق العمل الإداري بمصالحها والسهر على حسن سيره. ويقدم تقارير لرئيس المجلس كلما طلب منه ذلك». - وذلك بتهديده بمنع ممثل الساكنة والمكلف بتدبير شؤونها طبقا للقانون، من دخول مقر الجماعة إلا خلال دوراتها، الأمر الذي الذي يمس بسيادة القانون وبالاختصاصات المنوطة بالمستشارين وتحمل في طياتها تراجعات لا يخدم الديمقراطية وتنتهك الدستور  .. 

الحدث الذي نعجز على وصفه أو تصنيفه في ظل ما يدعو إليه ملكنا وينص عليه الدستور الجديد من احترام للقانون، والذي كاد خرق الموظف له، أن يتحول في مرة من مرات تطاوله وتجاسره إلى ما لا تحمد عقباه، لولا تدخل باشا المقاطعة لإخماد فتيل الفتنة، بما عرف عنه من حنكة ورزانة في تسيير الأمور..

ولا يسعني أمام هذه الهمسة التي أفسدت علينا فرحة هذا اللقاء الذي تمنيناه مند مدة، إلا أن أقول إنه مع رؤساء الجماعات والأحزاب السياسية كل الحق في معارضتها لهذا المنصب المحدث، والذي سيستغله ضعاف النفوس خارج نطاقه، ولنا عودة للموضوع لاحقا..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم