أقلام حرة

الاستثمار في نغمة الاصلاح

hamid taoulostلا يعلو هذه الأيام كلام فوق الحديث عن اصلاح أوضاع البلاد، وتقويم الاعوجاج الذي حصل بها خلال التجارب السياسية المتلاحقة السابقة، كلام طغت عليه نغمة وعود استرجاع حق الفقراء والأرامل وسكان أحياء الصفيح،  وشمله التوعد بملاحقة المفسدين وبقر بطون حيتانه الكبيرة، وفرض سياسة تقشفية، تطبق خططها على المترفين والمتخمين، وجميع مسؤولي الحكومة من وزراء ومدراء عامين، والنواب، من اقصى اليمين إلى اقصى اليسار، بدل الاستقطاع من رواتب الموظفين والمتقاعدين الذين مزق العوز جيوبهم..

فهل تحقق بعض من تلك الوعود والعهود؟ لا وألف لا، لم يظهر منها - حتى الآن - ملمحا، ولم تحمل تفاصيل الواقع من مضامينها أي علامة، بل إنها، مع الأسف، سرعان ما غيرت مسارها من وعد بضرب رؤوس كبار المفسدين، الى ضرب رؤوس الحشود الشعبية الفقيرة، وكل الذين عصفت بجيوبهم الفارغة الأزمات الأقتصادية، وكأن الإصلاح صمم خصيصا ليستهدف المواطن المسكين الذي ألف وقعه ومعانات مخلفاته، التي لم يعرفها أوعانى منها أحد ممن يرفعون شعار شعارات الإصلاح، من مسؤولي الحكومة وكل من يمت لها بصلة، من الوزراء و النواب والساسة الكبار، الذين يخصصون كل جهودهم للبحث عن مخرجات وسيناريوهات للتخفيف من نزعة الشارع الذي يغلي والذي قد ينتقم لحاله في ايّ لحظة، بدل البحت عن وسائل وطرق الإصلاح،

الاصلاح الذي يبقى مجرد خرجات رنانة، ووعود طنانة، وتشكيل لجان من نخب تسبح معظم مكوناتها في فلك المفسدين، إن لم تكن هي منهم، بعيدا عن الإرادة القوية، والعزيمة الصادقة، والقرارات الشجاعة الجريئة، واستبدال أنساق واساليب العمل القديمة التي أثبت فشلها في تحقيق النتائج المرضية، بأخرى أكثر نجاعته وفاعلية، ما يفسر فشل وعود الاصلاح ومكافحة الفساد الاداري، التي نادى بها فصيل سياسي مؤثر جدا في العملية السياسية، له وزراء في الحكومة، وجيش من المناصب التنفيذية المهمة، وكتلة مسيطرة في البرلمان، وجمهور مؤثر، يسانده ويزيد من رصيده..! لكنه نحى بدعوته الإصلاحية، نحو خطاب جديد يتحدث هو الآخر عن الاصلاح، لكن بعقلية لم نعتد عليها، تعتمد صفقتها التوافقية مع الكتل الكبرى المتحالفة، على قاعدة دينية "عفى الله عما سلف" وكأن الاصلاح لعبة محاصصاتية لابد ان يتفق عليها الجميع، بما فيهم المتهمون بالفساد الاداري وتضييع موارد البلاد!  الأمر الذي يفضح بجلاء التناقض بين الخطاب الرسمي، الذي يؤكد على شعارات الحداثة والديمقراطية ومحاربة الفساد المالي والإداري في السلطة، والإدارة، والمجتمع،، واستمرار تحكم البنيات التقليدية ولوبيات الفساد في دواليب الدولة ومراكز القرار.

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم