أقلام حرة

عقول تتظافر وأخرى تتناثر!!

الواقع العربي يحتشد بالغرائب السلوكية الخسرانية، التي تتسبب بهدر فائق للثروات العربية بأنواعها، ومنها الثروات العقلية.

فالعقول العربية تُصنّع في بلدانها وتُستثمر في بلدان غيرها، ويبدو أن الدول الغربية ذات ذكاء إستثماري عندما إنطلقت بإنشاء الجامعات في الدول العربية في بدايات القرن العشرين، لأنها كانت تدرك بأن المجتمع العربي غير قادر على إستيعاب عقوله وستكون من حصتها، وقد صدقت رؤيتها، فمعظم العقول العربية النابهة تتفاعل في الدول الغربية وتساهم في صناعة الحضارة التي تنسب إليها وهي المصنعة بعقول الآخرين.

فالأجيال العربية تعوّدت على هذه الحالة وكأن المتميز عليه أن يهاجر، فالروح السائدة بأن المجتمع العربي يطرد عقوله لأنه بيئة غير حاضنة وإنما ضاغنة، بمعنى أنها تعادي عقولها وتقاتلها.

ومن الأمثلة على هذه السلوكيات الفتاكة، أن دولة كالعراق أنجبت عقولا ذات قيمة حضارية متميزة، لكنها أخرجتها من محيطها العراقي وألقت بها في غياهب الإغتراب والهجران، وتنافرت معها وتقاطعت وتعادت، حتى صارت الجامعات العراقية من أكثر الجامعات المصدرة للعقول، بل أن العراق قتل عشرات الآلاف من العقول في حرب الثمان سنوات، حيث تم الإجهاز على أرقى العقول وأكثرها معرفة وقدرة على الإبداع والعطاء الحضاري الأصيل.

ولا تزال المجتمعات العربية تقاتل عقولها مما أوصلها إلى هذا الحال، الذي يتحكم بمصيرها الأغبياء والبقلاء من ذوي العاهات النفسية والفكرية والسلوكية، والذين تم تصنيعهم في مختبرات إمتهان الشعوب ومصادرة ثرواتها ومصيرها وتأريخها ومحق هويتها، بواسطة أبنائها المدجنين المعفرين بالخطايا والآثام والتواصلات العدوانية على الحضارة والإنسان.

ففقدان المجتمع العربي لعقوله والإستهانة بها من أهم الأسباب التي أودت بالحياة العربية المعاصرة، وألقت بها في غياهب الضلال والبهتان، وما دام العقل العربي مُحارب ومُهان، فأن المصير لن يكون بأحسن وأرقى مما كان وما هو كائن وعنّان.

وهناك بعض المجتمعات العربية التي تحاول أن تعز عقولها، وتأتي في مقدمتها مصر التي حافظت على نخبة رموزها العقلية في مجالات الحياة المتنوعة، وأسهمت في تواصل الأجيال بقدرات عربية متميزة، ولهذا تفاعلت مع الواقع العالمي المعاصر بقدرات عقلية أفضل من الآخرين.

وعليه فأن العودة العربية إلى إحترام العقل وتعزيز قيامه بدوره، والتعبير عن طاقاته في مكانه الذي ولد فيه من أهم المرتكزات، التي تستوجب العمل الصادق الدؤوب من قبل جميع الدول للنهوض بالواقع والوصول إلى مدارات الحياة المعاصرة.

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم