أقلام حرة

الوطن الممجوج!!

الكتابات الوطنية ممجوجة بل مكروهة يأنف منها القراء، ويميلون إلى ما يغذي الفوضوية والتحامل والتعادي والتعرق والتمترس بالعدوان.

وأصبحت في وعي الأجيال المتمترسة بالطائفية والمذهبية والتبعية والتعصبية، أشبة بنكات أو سرابات لا يمكن فهمها والإقتراب منها، لأن الوطن قد تحول إلى بخار، والوطنية صارت مقرونة بالتبعية والفساد لتحقيق إرادة الطامع بالبلاد والعباد.

فالكتابات الوطنية  كأنها هراء ونفخ في قربة مثقوبة، هكذا تبدو الأحوال والتفاعلات فالذين يعيشون في الوطن يتدافعون على قتله، والذين يعيشون خارج الوطن يتزاحمون على تقطيع أوصاله، والجميع في مسيرة الإنسجار والدمار والإندثار، كالسكارى الذين يتطوحون على سواحل الإصطياد والتحول إلى بضاعة في أسواق الضياع والخسران.

يُحكى أن في إسبانيا كان المتاجرون بالبشر يرسون مراكبهم قرب الحانات المنتشرة على السواحل وضفاف الأنهار، وعندما يخرج السكارى يترنحون يأخذونهم بسهولة إلى مراكبهم ويتواصلون بإمدادهم بالخمر، ويبحرون بهم، وعندما يفيقون أو يذهب سكرهم، يجدون أنفسهم قد تحولوا إلى بضائع في مزادات الرقيق.

وهكذا يبدو الواقع الأليم الذي قتل الشعب فيه وطنه، وإختار أن يكون تابعا لهذا الكرسي أو هذه العمامة، فما عاد هناك وطن يجمع ولا راية تُرفع ولا معاني وقيم فاضلة، وإنما تسابق وتهافت على الثريد، ولا يعنيهم من أي إناء يأكلون وماذا يثردون، فالمهم أنهم يملؤن البطون، ويتدرعون بما يضلل ويخدع ويمتلك مصير الآخرين.

إنها لعبة إصطياد الشعوب وإفتراسها، وتحويل الأوطان إلى سفينة ذات ثقوب تبحر في لجج الويلات والتداعيات والإنهيار اللذيذ.

وتلك مصيبة مجتمعات وأوطان، تسعى بخيارها لتكون قصعة على موائد المحتفين بإنتصاراتهم المجيدة وإنجازاتهم التليدة، وهم يتباهون بأن الهدف قد أنجب الطاقات الكفيلة بإمتلاكه ومصادرة وجوده، وإنتحاره على مشارف الأجيج وهو يتغنى بقدراته التي إندحرت فيه، فصيّرته أشلاءً متناثرة، وكينوناتا متباغضة تستنجد بألد أعدائها على إبن جلدتها، الذي تم إسقاطه في خنادق الوعيد والثريد!!

وإنَا لله وإنا لغيره راجعون أيها الوطن العتيد العنيد!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم