أقلام حرة

"تسليع" التعليم!

hamid taoulostيعتبر السكن والصحة، من أبرز وأهم المحددات الرئيسية التي يستند عليها المواطن المغربي البسيط، في تحديد تصوره لجودة الحياة، تلك الجودة المرهونة لديه بتوفر العمل "الشغل"، المرهون بدوره بحصيلة نتائج التعليم، الذي تتطلع إليه غالبية الأسر والعوائل المغربية على أنه طوقُ نجاة أبنائها من طوفان الفقر، وسُبل هُروبهم من نيران العَوز، فلا تتردد غالبيتها في التضحية بالغال والنفيس لتعليم أبنائها، فتبيع الأمهات من أجله حليهن وأثاث منازلهن، تم تباع السيارات والبيوت والأراضٍ الزراعية، لتغطية مصاريف التعليم، من الأولي إلى الجامعي، الذي أضحى مؤخرا حليفًا لمآسي الفقراء، وبات معبرا لمعاناة المسحوقين مع العطالة والبطالة، بعد أن  فقد صلاحيته في سوق العمل، وأصبح لا يرقى لمتطلبات ميادين المعرفة والمهارة، وغدا يتخبط في مشاكل كثيرة، بسبب اعتماد أساليب تعليمية مهترئة، لا تستخدم الحد الأدنى من معايير الجودة المتعلقة بالإمكانات الفنية والعلمية، التي تساهم في استمرار ضخِّ المزيد من العاطلين في سوق البطالة المختنق اصلا، دون أدنى مسؤولية اجتماعية، أو سياسية، أو أخلاقية، أو وطنية، رغم تدخلات الدولة لتطوير منظومته التعليمية مند 1999  إلى 2014، واعتمادها برامج الطوارئ، التي فشلت في المواءمة بين متطلبات سوق العمل، والبرامج المطروحة في المؤسسات الجامعية، دون أن تنتج حلولا، أو أن تساهم في التخفيف من معاناة الأسر التي أصبح يتوجه الكثير من أبنائها نحو التعليم الجامعي .

وحتى يربأ المسؤولون - الذين علق عليهم المغاربة أمانيهم العراض، وبنو أحلامهم العذاب في الارتقاء بتعليم أبنائهم- بأنفسهم عن التورط في مؤامرة احتكار وتدجين التعليم، والسيطرة عليه بتسييسه ضمن إطار حزبي سياسي قائم على استغلال النفوذ والسطوة والتفرد، طلع السيد وزير التعليم العالي على المغاربة ببشرى "إنتهاء زمن مجانية التعليم"، في تصريح صريح ومثير للجدل، قال فيه: "الي بغا يقري ولادو يحرك جيبو" 

الأمر الذي ستنعكس سلبا على نوعية التعليم، وكذلك البحث العلمي، الذي لا يمكن أن يزدهر في ظل هذا النوع من القرارات، التي لن تختلف عن كل القرارات والخطوات والرؤى الكثيرة في سلسلة المحاولات الإصلاحية العديدة السابقة، التي عرفها التعليم بكل أسلاكه، والتي لم يكن لها أثر واضح فيما يتطلع إليه المجتمع من الارتقاء ببنية تعليمية قادرة على تعزيز أمنه الفكري، والعلمي، والاقتصادي، والاجتماعي،  بل لاشك أنها ستؤدي إلى "تسليع التعليم  و"تشييء شهاداته"، على حساب الجودة، التي تقوم على المهنية وليس على السيطرة السياسية والحزبية الضيقة التي تفقد الحريات الجامعية وجودها سواء للهيئة التدريسية أو الفئات الطلابية، ويجعلها أسيرة والاحتكارات الحزبية، الذي يمنعها من أن ترتقي إلى مستوى تحديات الحاضر والمستقبل .

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم