أقلام حرة

هل أتاكم حديث سعداني؟

inas najlawiكان مرسي العياط كلما أقر قانونا أو أطلق احد طلاسمه، خرج علينا مساءا جهابذة التوك الشو المصريين يتنادبون "البورصة تتهاوى، المؤشرات تنخفض، الخسائر تتوالى.."

وأطيح بمرسي وحل محله الشاويش السيسي، لكننا لم نفهم بعد حقيقة ذاك الرابط الوثيق بين كلام مرسي وإغلاق البورصة على أصفار!!

ونحمد الله أننا في الجزائر لم نصل بعد إلى ثقافة البورصة، وإلا لربطوا بين عدم ظهور عمار سعداني وانخفاض قيمة الأسهم!

سكنات عدل، اعتصام الأساتذة، تجوال شكيب خليل بين الزوايا، زيارة فالس، وغيرها من الأحداث المتسارعة والمتوالية، لكن لا يشغل الرأي العام والصحف والفضائيات سوى سؤال واحد "أين هو عمار سعداني؟"، "لماذا لا يتكلم سعداني؟"

انبرى الجميع للرد على ما اعتبروه إهانة، وتسلق الكثير على الواقعة في محاولة للتموقع والعودة إلى الأضواء وتسجيل نقاط في مرمى الدفاع أو الشماتة على حد السواء. لكن الآذان صمت والرقاب اشرأبت تبحث عنه؛ عن صانع الحدث بلا منازع، في مشهد يثبت مجددا انه الرقم واحد وان كل الوجوه السياسية مجتمعة لا تعوض عن غيابه ولا تغطي على حضوره. فمهما تعددت الأصوات وتعالت، لا صوت يلقى صدى كصوته ولا حدث يحقق تفاعلا (سواء بالإيجاب أو بالسلب) كحديثه..

أرهقوا أنفسهم بالتكهنات المجانبة للصواب وقالوا: سكت سعداني حين نطق الجميع "دفاعا عن الوطن"، انه خائف على مصالحه، لقد فقد بريقه وضاعت منه جرأته، انسحب من المشهد، أويحي سحب البساط من تحت أقدامه...

 

الغياب التكتيكي:

إذا ما تكلم عمار سعداني وكسر تابو من تابوهات "ما وجدنا عليه آباءنا"، تتعالى الصيحات مستنكرة تصريحاته المثيرة للجدل. وحتى حين يغير الطريقة ويسكت عن الكلام، لا تتغير النتيجة ويستمر الاستنكار، لكن استنكار صمته!!

ويتضح بالتالي أن المستنكرين إنما مشكلتهم مع شخص سعداني، وأن سكوته يحيرهم بقدر ما يربكهم حديثه.

أولئك الذين يعانون عقدة الحزب الأول ويعلقون فشلهم على شماعة القاطرة والمقطورة، هاهي الساحة شاغرة فماذا أنتم فاعلون؟ ماذا فعلت يا أويحيى و يا بن يونس ويا غول وغيرهم؟ هل نجحتم في ملء الفراغ؟ هل استطعتم لفت أنظار الشارع والصحافة وتحويلها عن سعداني "الغائب"؟!

هل نجحت تلك الخطبة العصماء والديماغوجية المسطحة في أن تجعل أويحيى زعيما وفارسا يذود عن حمى الوطن؟! هل برأته من ذنبه؟ ألا يتحمل أويحيى المسؤولية كونه مدير ديوان رئاسة الجمهورية وما جرى كان تحت سمعه وأبصاره؟

لكن عوض أن يوجهوا أسهمهم نحو المذنب، يتهمون سعداني بالتخلف عن "واجب" الدفاع وتبرير خطأ تسبب فيه أويحيى أو كان جزءا منه؟! أفلا تعقلون! ألا يفترض أن تكون هذه الحادثة ذريعة وحجة لإنهاء مهامه في سرايا الحكم؟!

 

لا لإهانة الجزائر:

يقال إذا عض كلب رجلا فهو ليس بخبر، لكن إذا عض رجل كلبا فهو الخبر. وبالمثل، عداء فرنسا للجزائر ليس خبرا، مرض الرئيس ليس خبرا. الخبر هو مشاركة الجزائريين في إهانة الجزائر بالانسياق وراء فخ نصبته فرنسا وإعلامها، الخبر هو أن تتقلص الجزائر إلى مجرد صورة وتكثر المزايدات حول الوطنية..

تطالعنا نشرة أخبار الثامنة بين الفينة والأخرى بمقاطع للرئيس يستقبل كبار زوار البلاد، والصورة التي نشرها فالس تقع ضمن نفس السياق، وان كانت نيته خبيثة فالسكوت عن الأحمق جوابه. أما مجاراته في الانزلاق إلى حيث يريد أن يجرنا، فليس من الحكمة في شيء وليس من سلوك الكبار.

ولذلك يلاحظ أن الدولة الجزائرية التزمت سياسة التجاهل ولم يصدر عنها اي ردة فعل رسمية ولا بوادر أزمة ديبلوماسية، فلا رئاسة الوزراء تكلمت ولا وزارة الخارجية أصدرت بيان شجب. وبقيت الردود منحصرة على الأحزاب والنقابات و وسائل التواصل الاجتماعي.

الجزائر يحتم عليها وزنها الإقليمي و تاريخها الثوري ألا تنجر وراء استفزازات عجوز استعمارية أنانية متسلطة أثارتها عودة أمريكا إلى الملعب. وينبغي أن يكون الرد عمليا بالانفتاح على شركاء جدد والتخلص من التبعية ومد اليد إلى الصديق الصيني، على سبيل الذكر وليس الحصر، الذي يعلق آمالا على شراكة جادة ومثمرة مع الطرف الجزائري. 

 

صمت الكبار يليق بك:

سطع نجم سعداني سياسيا وإعلاميا منذ منتصف 2013، لكن بمراجعة أرشيفيه يتبين أن المواقف التي أعلن عنها وصدمت الرأي العام في البدء لم تكن وليدة الصدفة ولا الظرف، بل هي قناعات راسخة لم يكن يداريها لكن الأضواء وقتها لم تكن مسلطة عليه كما اليوم.

وهو مايقودنا إلى حقيقة أن سعداني صعب المراس، لا يسير بمهماز ولا يتصرف عشوائيا، لا يظهر حبا في الظهور ولا ينطق حين ينتظر منه الآخرون أن يتكلم، بل حين يتلمس الحاجة والوقت لذلك..

يرجح احميدة عياشي في مقاله "هل انتهت مهمة سعداني"، المنشور في جريدة الحياة بتاريخ 21افريل2016، أن هذا الصمت المتعمد قد يجعل من سعداني "الورقة المهمة في الوقت المناسب ليؤدي دورا مؤثرا وفعالا في المستقبل"..

أما المشككون في قدرة الرجل على الصمود والبقاء والمعيبون عليه أن الأحداث تجاوزته، فنقول لهم أن المرحلة سعدانية بامتياز وسيظل سعداني صانع الحدث، وانه لا يتوارى إلا ليعود أقوى، وليفاجئ أنصاره قبل خصومه...

 

بقلم: إيناس نجلاوي - أستاذة بجامعة تبسة

   

في المثقف اليوم