أقلام حرة

مـعـارضـة للإيـجــار!!

hasan zayedالمعارضة السياسية كما نفهمها هي الجزء المكمل لأي نظام سياسي قائم. وهي تنطلق من ذات الأرضية التي ينطلق منها النظام القائم، وهي أرضية الوطن والمواطن. وكلاهما محكوم بذات الإطار والتوجه، إطار الوطنية، واتجاه المصالح العليا . وكلاهما يستمد مشروعيته من ذات القوانين، ويكتسب شرعيته من ذات الجماهير. والمعارضة السياسية يرتبط وجودها بوجود الأحزاب السياسية ، وتنعدم في الأنظمة الشمولية أو أنظمة الحزب الواحد . والأحزاب المعارضة قد تتمثل في حزب واحد، وقد تتمثل في مجموعة من الأحزاب . والمعارضة حتي تكون معارضة سياسية حقيقية، وليست معارضة للمعارضة، لابد وأن تحمل رؤي وتطلعات وبرامج وسياسات مطروحة بخلاف تلك التي تتبناها السلطة القائمة . والتنافس بين هذه وتلك تحسمه الجماهير صاحبة المصلحة الأولي والأخيرة في اختيار ما تريد . والجماهير تنقسم في النهاية إزاء هذا وذاك إلي أغلبية وأقلية .  ومن هنا يمكن القول بأنه ليست هناك أقلية دائمة، ولا أغلبية دائمة، وإنما هناك تداول للسلطة فيما بين أغلبية الأمس / أقلية اليوم، وأقلية الأمس / أغلبية اليوم، إعمالاً لما يُعرف بمبدأ تداول السلطة . وفي كل الأحوال يبقي للأغلبية الحق في اتخاذ القرار، وللأقلية حق الإعتراض، مع الإلتزام بقرار الأغلبية، حتي لا نواجه بما يُعرف بديكتاتورية الأقلية، وتختل بذلك موازين اللعبة الديمقراطية . والمعارضة السياسية قد تُمارس في إطار مشروع، وقد تُمارس خارج الإطار المشروع . الإطار المشروع هو الذي يجري في أحضان القانون والدستور، دون خروج علي مقتضاهما . وهذا الإطار هو الذي يحفظ للوطن وحدته وتماسكه وتوازنه، ويضمن له التقدم والرقي في الركب الحضاري . وخارج الإطار المشروع هو الذي يجري بمنأي عن القانون والدستور، خروجاً علي مقتضاهما . وهذه الممارسات هي التي تهدد الوطن، وتهدد تماسكه ووحدته، بل وتهدد وجوده . ومن أمثلة هذا النوع من المعارضة، المعارضة المسلحة، التي تعتمد الكفاح المسلح سبيلاً للوصول إلي السلطة، والتي تنتهي إلي صورة من صور الحرب الأهلية كما حدث في لبنان، رغم أن ديمقراطيتها ديمقراطية توافقية . وكما يحدث في العراق، ما بعد الإحتلال الأمريكي، وما يشهده من صراعات مسلحة بين طوائفه . وكذا الأمر في أفغانستان، والصومال، وليبيا . والمعارضة المسلحة التي يمارسها الإخوان المسلمون في ليبيا، وسوريا، ومصر . والمعارضة التي تتكيء علي الشعب لتغيير النهج السائد، دون أن تتخذه مطية للقفز علي كرسي السلطة، هي المعارضة السياسية الحقة التي تعمل في الإطار المشروع، رغم أنها قد تعتمد علي حالة التناقض التي يمكن أن تكون قائمة بين النظام والشعب كوقود للمعارضة، إلا أنه محكومة بمصلحة الوطن والمواطن . أما المعارضة التي تتكيء علي الإستعانة بقوي خارجية، والإستقواء بها علي النظام، وتحريض الخارج عليه، وتتلقي تمويلاً خارجياً  لدعم أنشطة تخلق حالة التناقض بين النظام والجماهير خلقاً، وتوجدها من عدم، فهي لا تفترق كثيراً عن المعارضة المسلحة، بل إنها هي الأخري مسلحة، ولكن بأسلحة غير تقليدية من أسلحة الأجيال المتعاقبة من الحروب المعاصرة . وهي بذلك معارضة، ولكنها خارج إطار القانون والدستور . وبعيداً عن مفردات التخوين والعمالة التي قد لا تروق للبعض، ولا يستسيغها، باعتبارها أحكام مسبقة يتم تقييم المسالك والتصرفات  عليها، فإننا نحتكم إلي الممارسة العملية، ثم نستخلص منها الأحكام، حتي نكون أقرب إلي الواقعية والعدالة . فالسياسة ممارسة قبل أن تكون نظرية، والنظريات السياسية والإدارية كانت نتاج تطبيقات عملية وممارسات فعلية . والناظر في المشهد السياسي المصري يجد عجباً . فمن يزعم أنه معارض، أو يزعم أنه زعيم تيار شعبي، أو خلاف ذلك من مزاعم، لا يمكنه أن يحرك كتلة معتبرة من الجماهير يمكن أن تكون نداً للسلطة القائمة . وليست تلك مزايدة علي المعارضة، وإنما أصل من أصولها، إذ لابد للمعارضة ـ كي نعتبرها معارضة بالمفهوم السياسي ـ أن تتكيء علي شرائح اجتماعية معتبرة، تمثل نفوذاً فاعلاً في المجتمع، بحيث تفصح حرية الإقتراع بوضوح عن هذا النفوذ، وعندها يمكن للمعارضة الزعم بأريحية أنها تمثلهم .  فإن لم تتوفر لهذا المعارض تلك القاعدة الجماهيرية، فإنه لا يمثل إلا نفسه، ولا يصح له الزعم  بأنه يمثل شرائح اجتماعية لا وجود لها إلا في خياله . ولما كانت الإنتخابات الأخيرة وما قبلها، قد أفصحت بوضوح عن حجم المعارضين في مصر، فلا يصح لأحد منهم الزعم بأنه يمثل أي تيار معارض . والواقع وبدون أي  فذلكة، ودون أي محاولة للتنظير، باعتبارهما من آفات العقلية المصرية في الوقت الراهن . أقول بأن ما تشهده الساحة السياسية المصرية مما يسمي تجاوزاً معارضة ـ لعدم ابتكار مسمي آخر حتي تاريخه ـ ليس بمعارضة سياسية علي الإطلاق، وإن ارتدت ذات الأردية، وتحذلقت بذات الألسنة . وما يجري ماهو إلا نوع من المكايدة والتنكيد والتنغيص ـ بمناسبة وبدون مناسبة ـ علي السلطة القائمة، دون إدراك أحيانا، وبإدراك ووعي وقصد أحايين أُخر، بأنهم يأخذون الشعب في أرجلهم، ويدوسون عليه بنعالهم، ويتراقصون علي جثته، ويتاجرون به في أسواق النخاسة، ثم يذرفون دموع التماسيح عليه، متباكين علي حاله ومآله، بينما لا تزال بقايا لحمه ترقد في سلام بين ثنايا أسنانهم، التي لم يتسع الوقت لتنظيفها قبل خوض غمار الأحاديث عنها . فما فعله بعض من تصوروا أنهم يتحدثون عن الشعب المصري وحقوقه، عند مقابلة الرئيس الفرنسي إبان زيارته لمصر، ينطبق عليه ما قلته آنفاً . إذ أنهم يحرضون الرئيس الفرنسي علي السلطة القائمة بطلب ربط المعونات والمساعدات والإستثمارات وبيع الأسلحة بموضوع الحريات وحقوق الإنسان . ثم يزايدون حتي علي فرنسا في هذا المجال تحت زعم أن محاربة الإرهاب لا تقتضي الإنتقاص من هذه الأمور . وبالقطع هم قد نقلوا إليه مزاعم حول الإنتقاص من الحريات، والإنتهاك الصارخ لحقوق الإنسان في مصر . فإذا ربطت هذه بتلك كما فعلوا فهذا يعني حصار الشعب المصري وتجويعه وتركيعه إذا لزم الأمر . شاهدنا ذلك من قبل في موضوع الشاب الإيطالي، والطائرة الروسية، وغيرها،حتي انطبق عليهم القول بأنهم ملكيين أكثر من الملك . فهل تعد المعارضة التي لا تأخذ احتياجات شعبها ومصالحه ومقتضيات وجوده في الإعتبار معارضة ، أم أنها معارضة للإيجار ؟ ! .

 

حــســـــن زايـــــــــد

 

في المثقف اليوم